فلا معنى لإناطة التكليف والعقاب بهما.
فتحصل ان متعلق التكليف هو ما تعلق القطع بانطباق الموضوع عليه فعلا أو تركا، فيكون قول المولى أكرم العلماء بعثا نحو اكرام من قطع بكونه عالما وقوله لا تشرب الخمر زجرا عن شرب مائع قطع بكونه خمرا، واطلاقهما يشمل صورة مخالفة القطع للواقع أيضا.
والجواب عنه (أولا) - بالنقض بالواجبات، لعدم اختصاص الدليل المذكور بالمحرمات، فلو فرض أن الواجب المستفاد من قول المولى صل في الوقت هو اختيار ما قطع بكونه صلاة في الوقت، فصلى المكلف مع القطع بدخول الوقت، ثم بان خلافه، فلا بد من الالتزام بسقوط التكليف، لتحقق المأمور به الواقعي، وهو ما قطع بكونه صلاة في الوقت، فلزم القول بالاجزاء في موارد الأوامر العقلية الخيالية، ولم يلتزم به أحد من الفقهاء.
و (ثانيا) - بالحل بأن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها، كما هو المشهور من مذهب العدلية، والمستفاد من ظواهر الأدلة الشرعية، فان الظاهر - من مثل قوله تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) - أن النهي عن الفحشاء والمنكر إنما هو من آثار نفس الصلاة، لا من آثار ما قطع بكونه صلاة، و لو لم يكن في الواقع صلاة. وكذا الحال في الأوامر الصادرة من الموالي العرفية، فإنها أيضا تابعة للأغراض الشخصية المتعلقة بنفس العمل، فلا محالة يكون البعث نحو نفس العمل، وإنما الاختيار طريق إلى حصول العمل خارجا في مقام الامتثال، فلا دخل للقطع في متعلق التكليف أصلا.
غاية الأمر أنه - مع القطع بالتكليف - يصح عقاب العبد على المخالفة، لان التكليف الواصل مما يصح العقاب على مخالفته بحكم العقل، ولا يصح العقاب مع الانقياد، ولو كان قطعه مخالفا للواقع، لكونه محذورا حينئذ. ولهذا نسمي