منزلة القطع، غاية الأمر ان التنزيل إنما هو باعتبار خصوص الأثر العقلي للقطع من التنجيز والتعذير، أو باعتبار خصوص الحكم الشرعي المأخوذ في موضوعه القطع، أو باعتبار مطلق الأثر وإطلاق أدلة التنزيل يشمل كلا الحكمين العقلي والشرعي. وكذا الحال على القول بأن المجعول في باب الأمارات هو الطريقية والكاشفية بالغاء احتمال الخلاف، وإن شئت فعبر عنه بتتميم الكشف، باعتبار ان الامارات كانت كاشفة ناقصة، فاعتبرها الشارع كاشفة تامة بالغاء احتمال الخلاف، فيجرى الكلام المذكور هنا أيضا، ويقال ان اطلاق دليل التنزيل شامل للأثر العقلي والأثر الشرعي المترتب على القطع. بل يمكن ان يقال إنه بعد اعتبار الشارع الامارة كاشفة تامة عن الواقع تترتب آثار الواقع لا محالة، إذ الواقع قد انكشف بالتعبد الشرعي، فلا بد من ترتيب آثاره، فتترتب آثار نفس القطع - اي الحكم المأخوذ في موضوعه القطع - بالأولوية، إذ ترتيب آثار المقطوع على مؤدى الامارة انما هو لتنزيل الأمارة منزلة القطع، فيترتب اثر نفس القطع لأجل هذا التنزيل بطريق أولى.
ثم إن الصحيح في باب الامارات هو القول بأن المجعول هو الطريقية والكاشفية، لا القول بأن المجعول هو المنجزية والمعذرية، لكونه مستلزما للتخصيص في حكم العقل، وحكم العقل بعد ثبوت ملاكه غير قابل للتخصيص (بيان ذلك): ان العقل مستقل بقبح العقاب بلا بيان واصل، فإذا قامت الامارة على التكليف فلا اشكال في تنجزه على المكلف وكونه مستحقا للعقاب على مخالفته، فان كان ذلك لأجل تصرف الشارع في موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، بأن جعل الامارة طريقا وبيانا، كان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان منتفيا بانتفاء موضوعه، ولذا نعبر عن تقدم الامارة عليه بالورود وهو انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه بالتعبد الشرعي. وعليه فالعقل بنفسه يحكم