رجوع الجاهل إلى العالم، لما تقدم من عدم اختصاص هذا الحكم بما إذا كان علم العالم مستندا إلى العلم الوجداني أو الامارة القائمة على الحكم الواقعي.
وقد يستشكل أيضا بأنه لا يجوز الرجوع إلى الأصل العملي إلا بعد الفحص عن الدليل على ما هو مذكور في محله. والمقلد عاجز عن الفحص فكيف يفتي له بوجوب العمل بمؤدى الأصل؟ مثلا البراءة العقلية مبتنية على قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وليس في حق المجتهد احتمال العقاب ليرجع إليها، والمقلد عاجز عن الفحص وإحراز عدم البيان حتى تنطبق القاعدة عليه.
والجواب أن المجتهد يفحص ويبين له الصغرى وأن المقام مما لم تقم فيه حجة على التكليف، ويرجع المقلد إليه من باب الرجوع إلى أهل الخبرة في تشخيص الصغرى، فيستقل عقله بما استقل به عقل المجتهد من قبح العقاب بلا بيان، فتكون الكبرى وجدانية للمقلد بعد تشخيص الصغرى بالرجوع إلى المجتهد، ولو فرض ان المقلد لم يكن اهلا لادراك حكم العقل بذلك فيرجع إلى المجتهد في تشخيص الكبرى أيضا، فكما بين له أن المقام مما لم تقم فيه حجة على التكليف، يبين له ان العقاب بلا حجة وبيان قبيح بحكم العقل.
وبالجملة في جميع موارد عجز المقلد عن تشخيص مجرى الأصل العملي لا نقول بان المجتهد نائب عن المقلد حتى نطالب بدليل النيابة، بل نقول: إن المجتهد ينقح مجرى الأصل بحسب وظيفته، فان وظيفة المجتهد هي وظيفة الإمام عليه السلام، وهي بيان الاحكام المجعولة في الشريعة المقدسة بنحو القضايا الحقيقية، غاية الامر ان علم الإمام عليه السلام بالحكم ينتهي إلى الوحي، وعلم المجتهد حاصل من ظواهر الكتاب والسنة. والمقلد يرجع إليه من باب رجوع الجاهل إلى العالم في تشخيص الصغرى وتعيين مجرى الأصل فقط، أو في تطبيق الكبرى أيضا.
فتحصل من جميع ما ذكرناه في المقام: أنه لا وجه للالتزام باختصاص المقسم