متمكنا من الردع عن المحرمات كشرب الخمر مثلا، ولا من الامر بالواجبات كالصلاة والصوم في صدر الاسلام، ولذا كان صل الله عليه وآله يقول: (قولوا لا اله إلا الله تفلحوا) فلا مجال للتمسك بالاستصحاب، إذ لم تحرز حجية السيرة قبل نزول الآيات كي يتمسك في بقائها بعد نزولها بالاستصحاب. وبهذا ظهر الاشكال في الوجه الثالث أيضا، فان كون المقام من صغريات دوران الامر بين التخصيص والنسخ متوقف على احراز كون السيرة حجة قبل نزول الآيات لتكون قابلة لتخصيص الآيات، فيدور الامر بين النسخ والتخصيص، وإحراز كون السيرة حجة قبل نزول الآيات متوقف على إحراز كون الشارع متمكنا من الردع قبل نزول الآيات. وانى لنا باثبات ذلك.
والصحيح - في مقام الجواب ودفع توهم كون الآيات رادعة عن السيرة - ان يقال (أولا) - أنا نقطع بعدم الردع في الشريعة المقدسة عن هذه السيرة لبقائها واستمرارها بين المتشرعة وأصحاب الأئمة (عليهم السلام) بعد نزول الآيات، فان عمل الصحابة والتابعين بخبر الثقة غير قابل للانكار، على ما تقدم بيانه في تقريب الاستدلال بالسيرة، ولو كانت الآيات رادعة عنها لانقطعت السيرة في زمان الأئمة (ع) لا محالة.
و (ثانيا) - مع الغض عن ذلك أن الظاهر من لسان الآيات كونها إرشادا إلى ما يحكم به العقل من تحصيل المؤمن من العقاب المحتمل، والانتهاء إلى ما يعلم به الأمن، ولذا لا تكون قابلة للتخصيص. وكيف يمكن الالتزام بالتخصيص في مثل قوله تعالى: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا). بأن يقال إلا الظن الفلاني، فإنه يغني من الحق. وعليه فلا يكون مفادها حكما مولويا ليكون ردعا عن السيرة.
وان شئت قلت إن مفاد الآيات هو الارشاد إلى حكم العقل بدفع، الضرر