الخطاء في الحس بعيد جدا، بخلاف الاخبار عن حدس كما في الفتوى، فان احتمال الخطأ في الحدس غير بعيد، يحتمل أيضا دخل خصوصية أخرى في ملاك حجية الخبر. ومجرد احتمال ذلك كاف في منع الأولوية المذكورة، لان الحكم بالأولوية يحتاج إلى القطع بالملاك وكل ما له دخل فيه.
(الوجه الثالث) - عموم التعليل الوارد في ذيل آية النبأ، وهو قوله تعالي:
(ان تصيبوا قوما بجهالة - اي بسفاهة - فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). إذ التعليل قد يكون مخصصا للحكم المعلل به، كما في قولنا لا تأكل الرمان لأنه حامض، وقد يكون معمما له كما في قولنا لا تشرب الخمر لأنه مسكر، فإنه يحكم بحرمة كل مسكر ولو لم يكن خمرا. ومفاد التعليل في الآية الشريفة عدم لزوم التبين في كل ما ليس العمل به سفاهة، والعمل بالشهرة لا يكون سفاهة، فلا يجب فيها التبين بمقتضى عموم التعليل.
وفيه منع الصغرى والكبرى (اما الصغرى) فلان المراد من الجهالة في الآية الشريفة إما السفاهة بمعنى العمل بشئ بلا لحاظ مصلحة وحكمة فيه، قبالا للعمل العقلائي الناشئ من ملاحظة المصلحة، وإما الجهل قبالا للعلم، ولفظ الجهالة قد استعمل في كل من المعنيين، فان كان المراد منها السفاهة كان العمل بالشهرة من السفاهة، إذ العمل بما لا يؤمن معه من الضرر المحتمل اي العقاب يكون سفاهة بحكم العقل، فان العقل يحكم بتحصيل المؤمن من العقاب، والعمل بالشهرة بلا دليل على حجيتها لا يكون مؤمنا، فيكون سفاهة وغير عقلائي، وان كان المراد منها الجهل بمعنى عدم العلم، فالامر أوضح، إذ الشهرة لا تفيد العلم فيكون العمل بها جهالة لا محالة.
و (اما منع الكبرى) فلان التعليل وان كان يقتضي التعميم، إلا أنه لا يقتضي نفي الحكم عن غير مورده مما لا توجد فيه العلة، إذ لا مفهوم له، لأنه