كان متعلقا بالأحكام الواقعية، فهو وإن كان صحيحا، إلا أنه لا يوجب جعل التقسيم ثنائيا، لان جميع الأبحاث المذكورة في الأبواب الثلاثة غير مختص بالحكم الواقعي، بل الحكم الظاهري أيضا قد يتعلق به القطع، كما إذا علمنا بحجية خبر قائم على حكم من الاحكام، وقد يتعلق به الظن المعتبر، كما إذا دل بحجية الخبر ظاهر الكتاب مثلا، وقد يتعلق به الشك كما إذا شككنا في بقاء حجية الخبر، فيجري الاستصحاب. نعم لابد من أن ينتهي الامر بالآخرة إلى القطع، وإلا لدار أو تسلسل.
وأما ما أفاده صاحب الكفاية (ره) - من أنه لابد من أن يكون المراد من الحكم هو خصوص الفعلي دون الانشائي، لعدم ترتب أثر على القطع بالحكم الانشائي - فهو خلط بين الانشاء لا بداعي البعث والزجر، والانشاء بداعي البعث والزجر، فان الانشاء لا بداعي البعث والزجر وإن لم يترتب عليه أثر - كما ذكره صاحب الكفاية (ره) - إلا أنه ليس من مراتب الحكم أصلا، فان الانشاء - بداعي التهديد، كما في قوله: اعملوا ما شئتم، أو بداعي التهكم، أو غير ذلك - لا يطلق عليه الحكم، إذ الانشاء بداعي التهديد ليس إلا التهديد، فالانشاء بهذا المعنى خارج عن موضوع البحث، لعدم صدق الحكم عليه. وأما الانشاء بداعي البعث والزجر، فيطلق عليه الحكم وإن لم يبلغ مرتبة الفعلية، لعدم تحقق موضوعه في الخارج، فان فعلية الحكم إنما هي بفعلية موضوعه، ولا نلتزم بعدم ترتب أثر على الحكم الانشائي بهذا المعنى، بل له أثر مهم وهو جواز الافتاء به، فان المجتهد إذا علم بصدور الحكم من المولى وإنشائه في مقام التشريع له الافتاء به، وإن لم يبلغ مرتبة الفعلية، فيفتي بوجوب الحج على المستطيع وإن لم يكن المستطيع موجودا، وبوجوب قطع يد السارق وإن لم تتحقق السرقة في الخارج، ويفتي بوجوب الصوم في شهر رمضان