من المصالح والمفاسد في متعلقاتها، والاحكام الظاهرية ليست تابعة لما في متعلقاتها من المصالح بل تابعة للمصالح في أنفسها، فإنها مجعولة في ظرف الشك في وجود المصلحة الواقعية، وقد لا تكون مصلحة في المتعلق واقعا، فكيف يمكن ان تكون تابعة للمصالح الواقعية في المتعلقات؟ ففي موارد الاحتياط - كما في الشبهة الحكمية قبل الفحص - جعل وجوب الاحتياط لمصلحة في نفس الاحتياط، وهي التحفظ على مصلحة الواقع على تقدير وجودها، والتحذر عن الوقوع في المفسدة الواقعية أحيانا، وفي موارد الترخيص - كما في الشبهة الحكمية بعد الفحص، أو في الشبهة الموضوعية مطلقا - جعل الترخيص لما في نفسه من المصلحة، وهي التسهيل على المكلفين.
واما عدم التنافي من ناحية المنتهى، فلان الحكم الظاهري موضوعه الشك في الحكم الواقعي وعدم تنجزه، لعدم وصوله إلى المكلف، فما لم يصل الحكم الواقعي إلى المكلف لا يحكم العقل بلزوم امتثاله ولا باستحقاق العقاب على مخالفته فلا مانع من امتثال الحكم الظاهري، وإذا وصل الحكم الواقعي إلى المكلف وحكم العقل بلزوم امتثاله وباستحقاق العقاب على مخالفته، لا يبقى محال للحكم الظاهري لارتفاع موضوعه بوصول الواقع. (وبعبارة أخرى) حكم العقل بلزوم الامتثال انما هو بعد وصول الحكم إلى المكلف، بلا فرق في ذلك بين الحكم الواقعي والظاهري، ووصول كلا الحكمين إلى المكلف في عرض واحد محال، لكون الحكم الظاهري دائما في طول الحكم الواقعي، فمع وصول الحكم الواقعي ينتفي الحكم الظاهري بانتفاء موضوعه، فلا يحكم العقل الا بلزوم امتثال الحكم الواقعي ومع عدم وصول الحكم الواقعي لا يحكم العقل الا بلزوم امتثال الحكم الظاهري فلا تنافي بين الحكمين في مقام الامتثال ابدا.
والمتحصل من جميع ما ذكرناه في المقام: ان الحكم الظاهري في موارد الأصول غير المحرزة وان كان متحققا، الا انه لا مضادة بينه وبين الحكم