وأما ما ذكره أخيرا من إمكان ان لا يكون للحكم الواقعي إطلاق بالنسبة إلى حال تحير المكلف، ففيه ما ذكرناه مرارا من أن الاهمال في مقام الثبوت غير متصور، فلا محالة يكون الحكم الواقعي إما مطلقا بالنسبة إلى حال تحير المكلف وكونه شاكا، واما مقيدا بعدمه، واعترف هو (ره) أيضا بذلك، غاية الامر ان الاطلاق أو التقييد يكون على مسلكنا لحاظيا، وعلى مسلكه يكون بنتيجة الاطلاق أو بنتيجة التقييد بمتمم الجعل، على ما تقدم بيانه في بحث التعبدي والتوصلي وفي بحث المطلق والمقيد، فان كان الحكم الواقعي مطلقا بالنسبة إلى حال الشك، لزم التضاد، وان كان مقيدا بعدمه لزم التصويب، من غير فرق بين أن يكون المأخوذ في موضوع الاحكام الظاهرية هو الشك بما أنه صفة خاصة، أو بما انه موجب للتحير.
هذا والتحقيق في دفع الاشكال ان يقال: ان الأحكام الشرعية لا مضادة بينها في أنفسها، إذ الحكم ليس إلا الاعتبار، أي اعتبار شئ في ذمة المكلف من الفعل أو الترك، كاعتبار الدين في ذمة المديون عرفا وشرعا، ولذا عبر في بعض الاخبار عن وجوب قضاء الصلوات الفائتة بالدين، كما في قوله عليه السلام (ان دين الله أحق ان يقضى) ومن الواضح عدم التنافي بين الأمور الاعتبارية، وكذا لا تنافي بين ابرازها بالألفاظ، بان يقول المولى افعل كذا أو لا تفعل كذا كما هو ظاهر، انما التنافي بينها في موردين: المبدأ والمنتهى. والمراد بالمبدأ ما يعبر عنه بعلة الحكم مسامحة من المصلحة والمفسدة، كما عليه الامامية والمعتزلة، أو الشوق والكراهة كما عليه الأشاعرة المنكرين لتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد والمراد من المنتهى مقام الامتثال. أما التنافي من حيث المبدأ فلأنه يلزم من اجتماع الحكمين - كالوجوب والحرمة مثلا - اجتماع المصلحة والمفسدة في المتعلق بلا كسر وانكسار، وهو من اجتماع الضدين، ولا اشكال في استحالته