مكلف بتحريم الزنا - مثلا - من غير توجيه خطاب خاص ولا انحلال إلى خطابات شخصية إلى كل واحد من المكلفين، فهل يمنع عجز بعض الأفراد من ارتكاب هذا المحرم عقلا أو عادة من توجيه ذلك الخطاب الكلي العام؟!
لقد اختار سيدنا الشهيد (رحمه الله) هذه النظرية ودافع عنها بقوة وإصرار، واستطاع أن يتوسع في الاستفادة منها في غير المقام، وذلك في مسألة الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية مع الالتزام بفعلية الأحكام الواقعية، وبقاء إرادة المولى - جل وعلا - على حالها من الجد والحتم، لأن الأحكام الواقعية قانونية كلية تعم من قام عنده الطريق المصيب والمخطئ على حد سواء، سواء انكشف تخلف الطريق الخاطئ في الوقت أو خارجه، بل ولو بعد موته أو لم ينكشف أصلا، فإن موضوع الأحكام هو " المكلف " بعنوانه الكلي العام، ولا خطاب خاص إلى من تخلف طريقه عن الواقع وأخطأه ولم ينكشف أبدا، حتى يقال بامتناع ترشح الإرادة الجدية الواقعية مع جعل الطرق والأمارات.
وقد حذا الشهيد حذو والده الإمام (قدس سرهما) في الكثير من الآراء والنظريات العلمية العميقة، خاصة فيما يتعلق بنقد بعض المدارس الأصولية السائدة والتي البست حلل الواقعية حتى كثر أتباعها والمدافعون عنها، فقاما - جزى الله بالخير سعيهما - بتنقيح المباحث العلمية وتأسيس مدرسة أصولية خالدة.
ومن هنا تتجلى المكانة العلمية الشامخة للإمام الراحل (قدس سره) الذي حاول الأعداء وذوو الجمود والجبن والخور أن يغمطوا حقه، ولا يعترفوا بعظيم منزلته بين فطاحل العلماء والمراجع العظام، كما غبنوا حق ولده الشهيد (قدس سره) ولكن الله ينصر من نصره، فأعلى كعبهما على هاماتهم.
ومما تبع فيه سيدنا الشهيد - عن اجتهاد وتحقيق - والده الإمام (قدس سره) تجويزه