بالأدلة المحكمة، ولكنه سرعان ما ينقض ما بناه حجرا حجرا، ويقيم على أنقاضه بناء آخر أكثر إحكاما وأشد تماسكا. وقد يصعب على القارئ معرفة مختاره في النظريات العلمية المعمقة، حيث لم يدع آراءه ومتبنياته شريعة لكل وارد، بل ضن بها على غير أهلها من أولي العمق والجد والاجتهاد.
ولعل من خصائص الكتاب أن مؤلفه أعده بالدرجة الأولى لعرض آرائه ومختاراته في المسائل والنظريات العلمية الأصولية، إلا أنه كان شديد الحرص على عرض نظريات والده الإمام الراحل - طاب ثراه - وآرائه الأصولية، حيث إن إمامنا الراحل (قدس سره) كان قد ترك بحث الأصول في النجف الأشرف، وذلك بسبب ما عاناه من طائفة من العلماء المخالفين لخط الإمام القائد، وذوي النزعة المحافظة على القديم، والمؤثرة للراحة والدعة على الجهاد وما يستتبعه من قلق البال واضطراب الحال. ولهذا رأى شهيدنا المصنف أن من واجبه أن يعرف للملأ العلمي بآراء والده المقدس، فكان يعرضها بتفصيل عرض الناقد البصير والعالم الخبير، فيصحح ما يراه صحيحا ويورد على ما يراه مخالفا لنظره، وكثيرا ما شيد نظريات والده الإمام ببيان آخر وببراهين أخرى يرسي أركانها ويحكم بنيانها كي يجنبها من الإشكالات والإيرادات التي قد ترد عليها.
وربما استفاد من نظريات والده الإمام ككبريات في مسائل أخرى لاستخلاص نتائج جديدة، ونقدم مثالا لذلك مشكلة توجيه الخطاب إلى الجاهل وغير القادر وكيفية معالجتها، فقد ذهب المشهور إلى استهجان هذا الخطاب، غير أن إمامنا الراحل - طاب ثراه - خالفهم إلى عدم استهجانه، نظرا إلى أن الخطابات قد تكون شخصية وأخرى تكون قانونية كلية، وإنما يثبت هذا الاستهجان في الأولى دون الثانية، فأي قبح أو استهجان في توجيه خطاب كلي عام إلى كل