انتزاع المعنى الجوهري من المصاديق العرضية، أو المعنى العرضي من المصاديق الجوهرية؟! فلا يمكن ذلك بالبرهان، فلا بد من طرح الوجدان.
وثانيا: جميع المفاهيم الاعتبارية تكون ذات مصداق أو مصاديق تكوينية، ثم بعد ذلك اتخذ العقلاء من تلك المفاهيم الواقعية - التي لها المصاديق الخارجية - المعاني الاعتبارية، لغرض ترتيب الآثار المخصوصة بها في التكوين على المعتبر الذي اعتبر في الخارج.
مثلا: الملكية والوضع... وهكذا لهما المصاديق الواقعية، ولكنهم للتوسعة اعتبروا الملكية الاعتبارية والوضع الاعتباري الحاصل بين الألفاظ والمعاني، مع أنه ليس اللفظ موضوعا على المعنى كموضوعية اللبنة على اللبنة، والحجر على الحجر في الأعلام، وقد تعرضنا لذلك المبحث في الكتب الفقهية بتفصيل ومرارا.
ومن تلك المفاهيم " الربط والإضافة والنسبة " فإنها معان تكوينية بين العلة والمعلول، ولكن توسعة اعتبرت بين المتباينين لإفادة الحمل، كما مر في بيان " معنى الهوهوية في الوضع " (1) ولكن الذي هو المحكي بها في القضايا الحقيقية ليس إلا وجود العرض، فإنه ربط بالعلة وشأنها وطورها، ومتحد معها، حتى يصح حملها عليه، فلا شئ وراء الجوهر وطوره.
بل قد عرفت إنكار وجود العرض إلا بمعنى وجوده في غيره، ولذلك تكون المقولات محمولات على الموضوعات، ولا يعقل الحمل إلا بالاتحاد، فلا واسطة، وإلا يلزم عدم إمكان الحمل، كما لا يخفى.
فبالجملة: لو كان المراد من " واقعية المعاني الحرفية والوجودات الربطية " هي وجودات العرض، فيكون مفهوم العرض أمرا مستقلا ذهنيا، ووجوده معنى حرفيا، فلا منع من الالتزام بذلك، وإلا فلا ثالث بالضرورة.