الطراف السادس: أن الجمال إذا انفردت واختلط بعضها بالبعض فكل من وقع فيما بين أيديها وأرجلها في ذلك الوقت نال بلاء شديدا وألما عظيما، فتشبيه الشرارات بها حال تتابعها يفيد حصول كمال الضرر، والطراف ليس كذلك السابع: الظاهر أن القصر يكون في المقدار أعظم من الطراف والجمالات الصفر تكون أكثر في العدد من الطراف فتشبيه هذه الشرارات بالقصر وبالجمالات يقتضي الزيادة في المقدار وفي العدد وتشبهها بالطراف لا يفيد شيئا من ذلك، ولما كان المقصود هو التهويل والتخويف كان التشبيه الأول أولى الثامن: أن التشبيه بالشيئين في إثبات وصفين أقوى في ثبوت ذينك الصفين من التشبيه بالشيء الواحد في إثبات ذينك الوصفين، وبيانه أن من سمع قوله: * (إنها ترمي بشرر كالقصر) * تسارع ذهنه إلى أن المراد إثبات عظم تلك الشرارات، ثم إذا سمع بعد ذلك قوله: * (كأنه جمالة صفر) * تسارع ذهنه إلى أن المراد كثرة تلك الشرارات وتتابعها ولونها. أما من سمع أن الشرار كالطراف يبقى ذهنه متوقفا في أن المقصود بالتشبيه إثبات العظم أو إثبات اللون، فالتشبيه بالطراف كالمجمل، والتشبيه بالقصر وبالجمالات الصفر، كالبيان المفصل المكرر المؤكد. ولما كان المقصود من هذا البيان هو التهويل والتخويف، فكلما كان بيان وجوه العذاب أتم وأبين كان الخوف أشد، فثبت أن هذا التشبيه أتم.
التاسع: أنه قال في أول الآية: * (انطلقوا إلى ظل) * والإنسان إنما يكون طيب العيش وقت الانطلاق، والذهاب إذا كان راكبا، وإنما يجد الظل الطيب إذا كان في قصره، فوقع تشبيه الشرارة بالقصر والجمالات، كأنه قيل له: مركوبك هذه الجمالات، وظلك في مثل هذا القصر، وهذا يجري مجرى التهكم بهم، وهذا المعنى غير حاصل في الطراف العاشر: من المعلوم أن تطاير القصر إلى الهواء أدخل في التعجب من تطاير الخيمة، لأن القصر يكون مركبا من اللبن والحجر والخشب. وهذه الأجسام أدخل في الثقل والاكتناز من الخيمة المتخذة إما من الكرباس أو من الأديم، والشيء كلما كان أثقل وأشد اكتنازا كان تطايره في الهواء أبعد، فكانت النار التي تطير القصر إلى الهواء أقوى من النار التي تطير الطراف في الهواء، ومعلوم أن المقصود تعظيم أمر النار في الشدة والقوة، فكان التشبيه بالقصر أولى الحادي عشر: وهو أن سقوط القصر على الإنسان أدخل في الإيلام والإيجاع من سقوط الطراف عليه، فتشبيه تلك الشرارات بالقصر يفيد أن تلك الشرارات إذا ارتفعت في الهواء ثم سقطت على الكافر فإنها تؤلمه إيلاما شديدا، فصار ذلك تنبيها على أنه لا يزال يسقط عليه من الهواء شرارات كالقصور بخلاف وقوع الطراف على الإنسان، فإنه لا يؤلم في الغاية الثاني عشر: أن الجمال في أكثر الأمور تكون موقرة، فتشبيه الشرارات بالجمال تنبيه على أن مع كل واحد من تلك الشرارات أنواعا من البلاء والمحنة لا يحصي عددها إلا الله، فكأنه قيل: تلك الشرارات كالجمالات الموقرة بأنواع المحنة والبلاء، وهذا المعنى غير حاصل في الطراف فكان التشبيه بالجمالات أتم.
واعلم أن هذه الوجوه توالت على الخاطر في اللحظة الواحدة ولو تضرعنا إلى الله تعالى في طلب الأزيد