الغضب، واللذة الخيالية التي يعبر عنها بحب المال والجاه، وكل ذلك مستحقر فإن الحيوانات الخسيسة قد تشارك الإنسان في واحد منها، فالملك الكبير الذي ذكره الله ههنا لا بد وأن يكون مغايرا لتلك اللذات الحقيرة، وما هو إلا أن تصير نفسه منقشة بقدس الملكوت متحلية بجلال حضرة اللاهوت، وأما ما هو على أصول المتكلمين، فالوجه فيه أيضا أنه الثواب والمنفعة المقرونة بالتعظيم فبين تعالى في الآيات المتقدمة تفصيل تلك المنافع وبين في هذه الآية حصول التعظيم وهو أن كل واحد منهم يكون كالملك العظيم، وأما المفسرون فمنهم من حمل هذا الملك الكبير على أن هناك منافع أزيد مما تقدم ذكره، قال ابن عباس: لا يقدر واصف يصف حسنه ولا طيبه. ويقال: إن أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام ويرى أقصاه كما يرى أدناه، وقيل: لا زوال له وقيل: إذا أرادوا شيئا حصل، ومنهم من حمله على التعظيم. فقال الكلبي: هو أن يأتي الرسول من عند الله بكرامة من الكسوة والطعام والشراب والتحف إلى ولي الله وهو في منزله فيستأذن عليه، ولا يدخل عليه رسول رب العزة من الملائكة المقربين المطهرين إلا بعد الاستئذان.
المسألة الثالثة: قال بعضهم قوله: * (وإذا رأيت) * خطاب لمحمد خاصة، والدليل عليه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن دخلت الجنة أترى عيناي ما ترى عيناك؟ فقال نعم، فبكى حتى مات، وقال آخرون: بل هو خطاب لكل أحد.
* (عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا) *.
قوله تعالى: * (عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق) * فيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع وحمزة عاليهم بإسكان الياء والباقون بفتح الياء أما القراءة الأولى: فالوجه فيها أن يكون عاليهم مبتدأ، وثياب سندس خبره، والمعنى ما يعلوهم من لباسهم ثياب سندس، فإن قيل: عاليهم مفرد، وثياب سندس جماعة، والمبتدأ إذا كان مفردا لا يكون خبره جمعا، قلنا: المبتدأ، وهو قوله: * (عاليهم) * وإن كان مفردا في اللفظ، فهو جمع في المعنى، نظيره قوله تعالى: * (مستكبرين به سامرا تهجرون، فقطع دابر القوم) * (المؤمنون: 67) كأنه أفرد من حيث جعل بمنزلة المصدر أما القراءة الثانية: وهي فتح الياء، فذكروا في هذا النصب ثلاثة أوجه الأول: أنه نصب على الظرف، لأنه لما كان عالي بمعنى فوق أجرى مجراه في هذا الإعراب، كما كان قوله: * (والركب أسفل منكم) * كذلك وهو قول أبي علي الفارسي والثاني: أنه نصب على الحال، ثم هذا أيضا يحتمل وجوها أحدها: قال أبو علي الفارسي: التقدير: ولقاهم نضرة وسرورا حال ما يكون عاليهم ثياب سندس وثانيها: التقدير: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا حال ما يكون عاليهم ثياب سندس وثالثها: أن يكون التقدير ويطوف على الأبرار ولدان، حال ما يكون الأبرار عاليهم ثياب سندس ورابعها: حسبتهم لؤلؤا منثورا، حال ما يكون