بالمغفرة والرضوان، حيث منع غيره عن تملك رقابنا باختيار الفداء عنا، وأرجو أن لا يفعل مع إخواننا المعتزلة ما يفعله المتعاملان في المحاسبة بالنقير والقطمير، والمطالبة بما يفضل لأحدهما من القليل والكثير.
المسألة الثانية: قالوا: لو كان في الآخرة رؤية لكانت جزاء، وقد حصر الله الجزاء فيما ذكر والجواب عنه: أن نقول: لم قلتم: إنها لو كانت تكون جزاء، بل تكون فضلا منه فوق الجزاء، وهب أنها تكون جزاء، ولكن لم قلتم: إن ذكر الجزاء حصر وإنه ليس كذلك، لأن من قال لغيره: أعطيتك كذا جزاء على عمل لا ينافي قوله: وأعطيتك شيئا آخر فوقه أيضا جزاء عليه، وهب أنه حصر، لكن لم قلتم: إن القربة لا تدل على الرؤية، فإن قيل: قال في حق الملائكة: * (ولا الملائكة المقربون) * (النساء: 172)، ولم يلزم من قربهم الرؤية، نقول: أجبنا أن قربهم مثل قرب من يكون عند الملك لقضاء الأشغال، فيكون عليه التكليف والوقوف بين يديه بالباب تخرج أوامره عليه، كما قال تعالى: * (ويفعلون ما يؤمرون) * (التحريم: 6) وقرب المؤمن قرب المنعم من الملك، وهو الذي لا يكون إلا للمكالمة والمجالسة في الدنيا، لكن المقرب المكلف ليس كلما يروح إلى باب الملك يدخل عليه وأما المنعم لا يذهب إليه إلا ويدخل عليه فظهر الفرق. والذي يدل على أن قوله: * (أولئك المقربون) * (الواقعة: 11) فيه إشارة إلى الرؤية هو أن الله تعالى في سورة المطففين ذكر الأبرار والفجار، ثم إنه تعالى قال في حق الفجار: * (إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) * (المطففين: 15) وقال في الأبرار: * (يشرب بها المقربون) * (المطففين: 28) ولم يذكر في مقابلة المحجوبون ما يدل على مخالفة حال الأبرار حال الفجار في الحجاب والقرب، لأن قوله: * (لفي عليين) * (المطففين: 18) وإن كان دليلا على القرب وعلو المنزلة لكنه في مقابلة قوله: * (لفي سجين) * (المطففين: 7) فقوله تعالى في حقهم: * (يشرب بها المقربون) * مع قوله تعالى: * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) * (الإنسان: 21) يدل على أن المراد منه القرب الذي يكون لجلساء الملك عند الملك، وقوله في حق الملائكة في تلك السورة: * (يشهده المقربون) * (المطففين: 21) يدل على أن المراد منه القرب الذي يكون للكتاب والحساب عند الملك لما أنه في الدنيا يحسد أحدهما الآخر، فإن الكاتب إن كان قربه من الملك بسبب الخدمة لا يختار قرب الكتاب والحساب، بل قرب النديم، ثم إنه بين ذلك النوع من القرب وبين القرب الذي بسبب الكتابة ما يحمله على أن يختار غيره، وفي سورة المطففين قوله: * (لمحجوبون) * يدل على أن المقربين غير محجوبين عن النظر إلى الله تعالى، وينبغي أن لا ينظر إلى الله قولنا: جلساء الملك في ظاهر النظر الذي يقتضي في نظر القوم الجهة وإلى القرب الذي يفهم العامي منه المكان إلا بنظر العلماء الأخبار الحكماء الأخبار.
المسألة الثالثة: قالوا قوله تعالى: * (بما كانوا يعملون) * يدل على أن العمل عملهم وحاصل بفعلهم، نقول: لا نزاع في أن العلم في الحقيقة اللغوية وضع للفعل والمجنون للذي لا عقل له والعاقل للذي بلغ الكمال فيه، وذلك ليس إلا بوضع اللغة لما يدرك بالحس، وكل أحد يرى