على أن المراد به أنه لا يكون لهم شفيع يجاب (وثالثها) قوله تعالى (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) ظاهر الآية يقتضى نفى الشفاعات بأسرها (ورابعها) قوله تعالى (وما للظالمين من أنصار) ولو كان الرسول يشفع للفاسق من أمته لو صفوا بأنهم منصورون لأنه إذا تخلص بسبب شفاعة الرسول عن العذاب فقد بلغ الرسول النهاية في نصرته (وخامسها) قوله تعالى (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) أخبر تعالى عن ملائكته أنهم لا يشفعون لأحد إلا أن يرتضيه الله عز وجل والفاسق ليس بمرتضى عند الله تعالى وإذا لم تشفع الملائكة له فكذا الأنبياء عليهم السلام لأنه لا قائل بالفرق (وسادسها) قوله تعالى (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ولو أثرت الشفاعة في إسقاط العقاب لكانت الشفاعة قد تنفعهم وذلك ضد الآية (وسابعها) أن الأمة مجمعة أدعيتهم: واجعلنا من أهل شفاعته، فلو كان المستحق للشفاعة هو الذي خرج من الدنيا مصرا على الكبائر لكانوا قد رغبوا إلى الله تعالى في أن يجعلهم من أهل شفاعته إذا خرجوا مصرين لا أنهم يرغبون في أن يختم لهم مصرين كما أنهم يقولون في دعائهم: اجعلنا من التوابين وليسوا يرغبون في أن يذنبوا ثم يتوبوا وإنما يرغبون في أن يوفقهم للتوبة إذا كانوا مذنبين وكلتا الرغبتين مشروطة بشرط وهو تقدم الاصرار وتقدم الذنب، لأنا نقول: الجواب عنه من وجهين (الأول) ليس يجب إذا شرطنا شرطا في قولنا: اللهم اجعلنا من التوابين، أن نريد شرطا في قولنا أجعلنا من أهل الشفاعة (الثاني) أن الأمة في كلتا الرغبتين إلى الله تعالى يسألون منه تعالى أن يفعل بهم ما يوصلهم إلى المرغوب فيه نفى قولهم: اجعلنا من التوابين، يرغبون في أن يوفقهم للتوبة من الذنوب، وفى الثاني يرغبون في أن يفعل بهم ما يكونون عنده أهلا لشفاعته عليه السلام، فلو لم تحصل أهلية الشفاعة إلا بالخروج من الدنيا مصرا على الكبائر لكان سؤال أهلية الشفاعة حسنا فظهر الفرق (وثانيها) أن قوله تعالى (وإن الفجار لفي جحيم، يصلونها يوم الدين، وما هم عنها بغائبين) يدل على أن كل الفجار يدخلون النار وأنهم لا يغيبون عنها وإذا ثبت أنهم لا يغيبون عنها ثبت أنهم لا يخرجون منها، وإذا كان كذلك لم يكن للشفاعة أثر لا في العفو عن العقاب ولا في الاخراج من النار بعد الادخال فيها (وتاسعها) قوله تعالى (يدبر الامر ما من شفيع إلا من بعد إذنه) فنفى الشفاعة عمن لم يأذن في شفاعته وكذا قوله (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) وكذا قوله تعالى (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) وإنه تعالى لم يأذن في الشفاعة في حقو أصحاب الكبائر هذا الاذن لو عرف لعرف إما بالعقل أو بالنقل، أما العقل فلا مجال له فيه، وأما النقل
(٥٧)