تفسير الرازي - الرازي - ج ٣ - الصفحة ١٨٣
ورجلا نصب على التمييز، مثله في قولك: عشرون رجلا والمميز لا يكون إلا نكرة، ألا ترى أن أحدا لا يقول عشرون الدرهم ولو أدخلوا الألف واللام على هذا فقالوا: نعم الرجل بالنصب لكان نقضا للغرض، إذ لو كانوا يريدون الإتيان بالألف واللام لرفعوا وقالوا نعم الرجل وكفوا أنفسهم مؤنة الإضمار وإنما أضمروا الفاعل قصدا للاختصار، إذ كان " نعم رجلا " يدل على الجنس الذي فضل عليه.
المسألة الرابعة: إذا قلت نعم الرجل زيد فهو على وجهين: أحدهما: أن يكون مبتدأ مؤخرا كأنه قيل: زيد نعم الرجل، أخرت زيدا والنية به التقديم، كما تقول: مررت به المسكين تريد المسكين مررت به، فأما الراجع إلى المبتدأ فإن الرجل لما كان شائعا ينتظم فيه الجنس كان زيد داخلا تحته فصار بمنزلة الذكر الذي يعود إليه، والوجه الآخر: أن يكون زيد في قولك: نعم الرجل زيد خبر مبتدأ محذوف كأنه لما قيل: نعم الرجل، قيل: من هذا الذي أثنى عليه؟ فقيل: زيد أي هو زيد.
المسألة الخامسة: المخصوص بالمدح والذم لا يكون إلا من جنس المذكور بعد نعم وبئس كزيد من الرجال وإذا كان كذلك كان المضاف إلى القوم في قوله تعالى: * (ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا) * (الأعراف: 177) محذوفا وتقديره ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا، وإذ قد لخصنا هذه المسائل فلنرجع إلى التفسير.
أما قوله تعالى: * (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: " ما " نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس بمعنى بئس الشيء شيئا اشتروا به أنفسهم والمخصوص بالذم " أن يكفروا ".
المسألة الثانية: في الشراء ههنا قولان، أحدهما: أنه بمعنى البيع، وبيانه أنه تعالى لما مكن المكلف من الإيمان الذي يفضي به إلى الجنة والكفر الذي يؤدي به إلى النار صار اختياره لأحدهما على الآخر بمنزلة اختيار تملك سلعة على سلعة فإذا اختار الإيمان الذي فيه فوزه ونجاته. قيل: نعم ما اشترى، ولما كان الغرض بالبيع والشراء هو إبدال ملك يملك صلح أن يوصف كل واحد منهما بأنه بائع ومشتر لوقوع هذا المعنى من كل واحد منهما فصح تأويل قوله تعالى: * (بئسما اشتروا به أنفسهم) * بأن المراد باعوا أنفسهم بكفرهم لأن الذي حصلوه على منافع أنفسهم لما كان هو الكفر صاروا بائعين أنفسهم بذلك، الوجه الثاني: وهو الأصح عندي أن المكلف إذا كان يخاف على نفسه من عقاب الله يأتي بأعمال يظن أنها تخلصه من العقاب فكأنه قد اشترى نفسه بتلك الأعمال، فهؤلاء اليهود لما اعتقدوا فيما أتوا به أنها تخلصهم من العقاب، وتوصلهم إلى الثواب فقد ظنوا أنهم اشتروا أنفسهم بها، فذمهم الله تعالى، وقال: * (بئسما اشتروا به أنفسهم) * وهذا الوجه أقرب إلى المعنى واللفظ من الأول، ثم إنه تعالى بين تفسير
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»
الفهرست