والخالدي، ومن الناس من قطع بأنه لا وعيد لهم وهو قول شاذ ينسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر، والقول الثالث: أنا نقطع بأنه سبحانه وتعالى يعفو عن بعض المعاصي ولكنا نتوقف في حق كل أحد على التعيين أنه هل يعفو عنه أم لا، ونقطع بأنه تعالى إذا عذب أحدا منهم مدة فإنه لا يعذبه أبدا، بل يقطع عذابه، وهذا قول أكثر الصحابة والتابعين وأهل السنة والجماعة وأكثر الإمامية، فيشتمل هذا البحث على مسألتين. إحداهما: في القطع بالوعيد، والأخرى: في أنه لو ثبت الوعيد فهل يكون ذلك على نعت الدوام أم لا؟
المسألة الأولى: في الوعيد ولنذكر دلائل المعتزلة أولا. ثم دلائل المرجئة الخالصة ثم دلائل أصحابنا رحمهم الله. أما المعتزلة فإنهم عولوا على العمومات الواردة في هذا الباب وتلك العمومات على جهتين. بعضها وردت بصيغة " من " في معرض الشرط وبعضها وردت بصيغة الجمع، أما النوع الأول فآيات، إحداها: قوله تعالى في آية المواريث: * (تلك حدود الله) * (البقرة: 187) إلى قوله: * (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) * (النساء: 14)، وقد علمنا أن من ترك الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وارتكب شرب الخمر والزنا وقتل النفس المحرمة فهو متعد لحدود الله، فيجب أن يكون من أهل العقاب، وذلك لأن كلمة " من " في معرض الشرط تفيد العموم على ما ثبت في أصول الفقه، فمتى حمل الخصم هذه الآية على الكافر دون المؤمن كان ذلك على خلاف الدليل ثم الذي يبطل قوله وجهان. أحدهما: أنه تعالى بين حدوده في المواريث ثم وعد من يطيعه في تلك الحدود وتوعد من يعصيه فيها، ومن تمسك بالإيمان والتصديق به تعالى فهو أقرب إليها إلى الطاعة فيها ممن يكون منكرا لربوبيته ومكذبا لرسله وشرائعه، فترغيبه في الطاعة فيها أخص ممن هو أقرب إلى الطاعة فيها وهو المؤمن، ومتى كان المؤمن مرادا بأول الآية فكذلك بآخرها، الثاني: أنه قال: * (تلك حدود الله) * ولا شبهة في أن المراد به الحدود المذكورة، ثم علق بالطاعة فيها الوعد وبالمعصية فيها الوعيد، فاقتضى سياق الآية أن الوعيد متعلق بالمعصية في هذه الحدود فقط دون أن يضم إلى ذلك تعدي حدود أخر، ولهذا كان مزجورا بهذا الوعيد في تعدي هذه الحدود فقط ولو لم يكن مرادا بهذا الوعيد لما كان مزجورا به، وإذا ثبت أن المؤمن مراد بها كالكافر بطل قول من يخصها بالكافر، فإن قيل: إن قوله تعالى: * (ويتعد حدوده) * (النساء: 14) جمع مضاف والجمع المضاف عندكم يفيد العموم، كما لو قيل: ضربت عبيدي، فإنه يكون ذلك شاملا لجميع عبيده، وإذا ثبت ذلك اختصت هذه الآية بمن تعدى جميع حدود الله وذلك هو الكافر لا محالة دون المؤمن، قلنا: الأمر وإن كان كما ذكرتم نظرا إلى اللفظ لكنه وجدت قرائن تدل على أنه ليس المراد ههنا تعدي جميع الحدود، أحدها: أنه تعالى قدم على قوله: * (ويتعد حدوده) * قوله تعالى: * (تلك حدود الله) * فانصرف قوله: * (ويتعد حدوده) * إلى تلك الحدود، وثانيها: أن الأمة متفقون على أن المؤمن مزجور بهذه الآية عن المعاصي، ولو صح ما ذكرتم