الكلام، لا يجب على الحكيم أن يبينه بل ربما كان بيانه عبثا لأن أحدنا لو أراد أن يقيم العذر لغيره في التأخر فقال: شغلت بضرب علماني لإساءتهم الأدب لكان هذا القدر أحسن من أن يذكر عين هذا الغلام ويذكر اسمه وصفته، فليس لأحد أن يظن أنه وقع ههنا تقصير في البيان، ثم قال بعضهم الأقرب في لفظ الشجرة أن يتناول ماله ساق وأغصان، وقيل لا حاجة إلى ذلك لقوله تعالى: * (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) * (الصافات: 146) مع أنها كالزرع والبطيخ فلم يخرجه ذهابه على وجه الأرض من أن يكون شجرا، قال المبرد: وأحسب أن كل ما تفرعت له أغصان وعيدان فالعرب تسميه شجرا في وقت تشعبه وأصل هذا أنه كل ما شجر أي أخذ يمنه ويسرة يقال: رأيت فلانا في شجرته الرماح. وقال تعالى: * (حتى يحكموك فيما شجر بينهم) * (النساء: 65) وتشاجر الرجلان في أمر كذا.
المسألة التاسعة: اتفقوا على أن المراد بقوله تعالى: * (فتكونا من الظالمين) * هو أنكما إن أكلتما فقد ظلمتما أنفسكما لأن الأكل من الشجرة ظلم الغير، وقد يكون ظالما بأن يظلم نفسه وبأن يظلم غيره، فظلم النفس أعم وأعظم. ثم اختلف الناس ههنا على ثلاثة أقوال: الأول: قول الحشوية الذين قالوا: إنه أقدم على الكبيرة فلا جرم كان فعله ظلما، الثاني: قوله المعتزلة الذين قالوا: إنه أقدم على الصغيرة ثم لهؤلاء قولان: أحدهما: قول أبي علي الجبائي وهو أنه ظلم نفسه بأن ألزمها ما يشق عليه من التوبة والتلافي، وثانيهما: قول أبي هاشم وهو أنه ظلم نفسه من حيث أحبط بعض ثوابه الحاصل فصار ذلك نقصا فيما قد استحقه، الثالث: قول من ينكر صدور المعصية منهم مطلقا وحمل هذا الظلم على أنه فعل ما الأولى له أن لا يفعله. ومثاله إنسان طلب الوزارة ثم إنه تركها واشتغل بالحياكة، فإنه يقال له: يا ظالم نفسه لم فعلت ذلك؟ فإن قيل: هل يجوز وصف الأنبياء عليهم السلام بأنهم كانوا ظالمين أو بأنهم كانوا ظالمي أنفسهم؟ والجواب أن الأولى أنه لا يطلق ذلك لما فيه من إيهام الذم.
* (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين) * قال صاحب الكشاف: * (فأزلهما الشيطان عنها) * تحقيقه، فأصدر الشيطان زلتهما عنها ولفظة * (عن) * في هذه الآية كهي في قوله تعالى: * (وما فعلته عن أمري) * (الكهف: 82) قال القفال رحمه الله: هو من الزلل يكون الإنسان ثابت القدم على الشيء، فيزل عنه ويصير متحولا عن ذلك الموضع، ومن قرأ * (فأزالهما) * فهو من الزوال عن المكان، وحكي عن أبي معاذ أنه قال: يقال أزلتك عن كذا