التكليف الرابع: قوله تعالى: * (واليتامى) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: اليتيم الذي مات أبوه حتى يبلغ الحلم وجمعه أيتام ويتامى، كقولهم: نديم وندامى، ولا يقال لمن ماتت أمه إنه يتيم. قال الزجاج: هذا في الإنسان، أما في غير الإنسان فيتمه من قبل أمه.
المسألة الثانية: اليتيم كالتالي لرعاية حقوق الأقارب وذلك لأنه لصغره لا ينتفع به وليتمه وخلوه عمن يقوم به، يحتاج إلى من ينفعه والإنسان قلما يرغب في صحبة مثل هذا، وإذا كان هذا التكليف شاقا على النفس لا جرم كانت درجته عظيمة في الدين.
التكليف الخامس: قوله تعالى: * (والمساكين) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: " والمساكين " واحدها مسكين، أخذ من السكون كأن الفقر قد سكنه وهو أشد فقرا من الفقير عند أكثر أهل اللغة وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه واحتجوا بقوله تعالى: * (أو مسكينا ذا متربة) * (البلد: 16) وعند الشافعي رضي الله عنه: الفقير أسوأ حالا، لأن الفقير اشتقاقه من فقار الظهر كأن فقاره انكسر لشدة حاجته وهو قول ابن الأنباري. واحتجوا عليه بقوله تعالى: * (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) * (الكهف: 79) جعلهم مساكين مع أن السفينة كانت ملكا لهم.
المسألة الثانية؛ إنما تأخرت درجتهم عن اليتامى لأن المسكين قد يكون بحيث ينتفع به في الاستخدام فكان الميل إلى مخالطته أكثر من الميل إلى مخالطة اليتامى، ولأن المسكين أيضا يمكنه الاشتغال بتعهد نفسه ومصالح معيشته، واليتيم ليس كذلك فلا جرم قدم الله ذكر اليتيم على المسكين.
المسألة الثالثة: الإحسان إلى ذي القربى واليتامى، لا بد وأن يكون مغايرا للزكاة لأن العطف يقتضي التغاير.
التكليف السادس: قوله تعالى: * (وقولوا للناس حسنا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي: (حسنا) بفتح الحاء والسين على معنى الوصف للقول، كأنه قال: قولوا للناس قولا حسنا، والباقون بضم الحاء وسكون السين، واستشهدوا بقوله تعالى: * (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) * (العنكبوت: 8) وبقوله: * (ثم بدل حسنا بعد سوء) * (النحل: 11) وفيه أوجه، الأول: قال الأخفش: معناه قولا ذا حسن. الثاني: يجوز أن يكون حسنا في موضع حسنا كما تقول: رجل عدل. الثالث: أن يكون معنى قوله: * (وقولوا للناس حسنا) * أي ليحسن قولكم نصب على مصدر الفعل الذي دل عليه الكلام الأول. الرابع: حسنا أي قول هو حسن في نفسه لإفراط حسنه.
المسألة الثانية: يقال: لم خوطبوا بقولوا بعد الإخبار؟ والجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه على طريقة الالتفات كقوله تعالى: * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) * (يونس: 22). وثانيها: فيه حذف أي قلنا لهم قولوا. وثالثها: الميثاق لا يكون إلا كلاما كأنه قيل: قلت لا تعبدوا وقولوا.