* (ولقد جآءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون) * اعلم أن تكرير هذه الآية يغني عن تفسيرها والسبب في تكريرها أنه تعالى لما حكى طريقة اليهود في زمان محمد صلى الله عليه وسلم ووصفهم بالعناد والتكذيب ومثلهم بسلفهم في قتلهم الأنبياء الذي يناسب التكذيب لهم بل يزيد عليه، أعاد ذكر موسى عليه السلام وما جاء به من البينات وأنهم مع وضوح ذلك أجازوا أن يتخذوا العجل إلها وهو مع ذلك صابر ثابت على الدعاء إلى ربه والتمسك بدينه وشرعه فكذلك القول في حالي معكم وإن بالغتم في التكذيب والإنكار.
* (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا مآ ءاتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا فى قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين) * اعلم أن في الإعادة وجوها: أحدها: أن التكرار في هذا وأمثاله للتأكيد وإيجاب الحجة على الخصم على عادة العرب، وثانيها: أنه إنما ذكر ذلك مع زيادة وهي قولهم: * (سمعنا وعصينا) * وذلك يدل على نهاية لجاجهم.
أما قوله تعالى: * (قالوا سمعنا وعصينا) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: أن إظلال الجبل لا شك أنه من أعظم المخوفات ومع ذلك فقد أصروا على كفرهم وصرحوا بقولهم * (سمعنا وعصينا) * وهذا يدل على أن التخويف وإن عظم لا يوجب الانقياد.
المسألة الثانية: الأكثرون من المفسرين اعترفوا بأنهم قالوا هذا القول، قال أبو مسلم: وجائز أن يكون المعنى سمعوه فتلقوه بالعصيان فعبر عن ذلك بالقول وإن لم يقولوه كقوله تعالى: * (أن يقول له كن فيكون) * (البقرة: 177) وكقوله: * (قالتا أتينا طائعين) * (فصلت: 11) والأول أولى لأن صرف الكلام عن ظاهره بغير الدليل لا يجوز.
أما قوله تعالى: * (واشربوا في قلوبهم العجل) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: واشربوا في قلوبهم حب العجل، وفي وجه هذا الاستعارة وجهان، الأول: معناه داخلهم حبه والحرص على عبادته كما يتداخل الصبغ الثوب، وقوله: * (في قلوبهم) *