حصلت مع العذاب جاز أن يجعل ذلك من وصفه، فإن قيل: العذاب لا يكون إلا مع الإهانة فما الفائدة في هذا الوصف؟ قلنا: كون العذاب مقرونا بالإهانة أمر لا بد فيه من الدليل، فالله تعالى ذكر ذلك ليكون دليلا عليه.
المسألة الثالثة: قال قوم: قوله تعالى: * (وللكافرين عذاب مهين) * يدل على أنه لا عذاب إلا للكافرين، ثم بعد تقرير هذه المقدمة احتج بهذه الآية فريقان، أحدهما: الخوارج قالوا: ثبت بسائر الآيات أن الفاسق يعذب، وثبت بهذه الآية أنه لا يعذب إلا الكافر فيلزم أن يقال الفاسق كافر. وثانيها: المرجئة قالوا: ثبت بهذه الآية أنه لا يعذب إلا الكافر وثبت أن الفاسق ليس بكافر، فوجب القطع بأنه لا يعذب وفساد هذين القولين لا يخفى.
* (وإذا قيل لهم ءامنوا بمآ أنزل الله قالوا نؤمن بمآ أنزل علينا ويكفرون بما ورآءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبيآء الله من قبل إن كنتم مؤمنين) * اعلم أن هذا النوع أيضا من قبائح أفعالهم: * (وإذا قيل لهم) * يعني به اليهود: * (آمنوا بما أنزل الله) * أي بكل ما أنزل الله، والقائلون بالعموم احتجوا بهذه الآية على أن لفظة " ما " بمعنى الذي تفيد العموم، قالوا: لأن الله تعالى أمرهم بأن يؤمنوا بما أنزل الله فلما آمنوا بالبعض دون البعض ذمهم على ذلك ولولا أن لفظة " ما " تفيد العموم لما حسن هذا الذم، ثم إنه تعالى حكى عنهم أنهم لما أمروا بذلك: * (قالوا نؤمن بما أنزل علينا) * يعني بالتوراة وكتب سائر الأنبياء الذين أتوا بتقرير شرع موسى عليه السلام ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم يكفرون بما وراءه وهو الإنجيل والقرآن. وأورده هذه الحكاية عنهم على سبيل الذم لهم وذلك أنه لا يجوز أن يقال لهم آمنوا بما أنزل الله إلا ولهم طريق إلى أن يعرفوا كونه منزلا من عند الله وإلا كان ذلك تكليف ما لا يطاق وإذا دل الدليل على كونه منزلا من عند الله وجب الإيمان به، فثبت أن الإيمان ببعض ما أنزل الله دون البعض تناقض.
أما قوله تعالى: * (وهو الحق مصدقا لما معهم) * فهو كالإشارة إلى ما يدل على وجوب الإيمان