السادس: إذاقة البدن ألم الطاعات كما ذاق حلاوة المعصية. وكان أحمد بن حارس يقول: يا صاحب الذنوب ألم يأن لك أن تتوب، يا صاحب الذنوب إن الذنب في الديوان مكتوب، يا صاحب الذنوب أنت بها في القبر مكروب، يا صاحب الذنوب أنت غدا بالذنوب مطلوب.
الفائدة الثانية: من فوائد الآية: أن آدم عليه السلام لما لم يستغن عن التوبة مع علو شأنه فالواحد منا أولى بذلك.
الفائدة الثالثة: أن ما ظهر من آدم عليه السلام من البكاء على زلته تنبيه لنا أيضا لأنا أحق بالبكاء من آدم عليه السلام. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو جمع بكاء أهل الدنيا إلى بكاء داود لكان بكاء داود أكثر، ولو جمع بكاء أهل الدنيا وبكاء داود إلى بكاء نوح لكان بكاء نوح أكثر، ولو جمع بكاء أهل الدنيا وبكاء داود وبكاء نوح عليهما السلام إلى بكاء آدم على خطيئته لكان بكاء آدم أكثر ".
المسألة التاسعة: إنما اكتفى الله تعالى بذكر توبة آدم دون توبة حواء لأنها كانت تبعا له كما طوى ذكر النساء في القرآن والسنة لذلك، وقد ذكرها في قوله: * (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) * (الأعراف: 23).
* (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * المسألة الأولى: ذكروا في فائدة تكرير الأمر بالهبوط وجهين: الأول: قال الجبائي: الهبوط الأول غير الثاني فالأول من الجنة إلى سماء الدنيا والثاني من سماء الدنيا إلى الأرض وهذا ضعيف من وجهين: أحدهما: أنه قال في الهبوط الأول: * (ولكم في الأرض مستقر) * فلو كان الاستقرار في الأرض إنما حصل بالهبوط الثاني لكان ذكر قوله: * (ولكم في الأرض مستقر ومتاع) * (البقرة: 36) عقيب الهبوط الثاني أولى. وثانيهما: أنه قال في الهبوط الثاني: * (اهبطوا منها) * والضمير في (منها) عائد إلى الجنة. وذلك يقتضي كون الهبوط الثاني من الجنة. الوجه الثاني: أن التكرير لأجل التأكيد وعندي فيه وجه ثالث أقوى من هذين الوجهين وهو أن آدم وحواء لما أتيا بالزلة أمرا بالهبوط فتابا بعد الأمر بالهبوط ووقع في قلبهما أن الأمر بالهبوط لما كان بسبب الزلة فبعد التوبة وجب أن لا يبقى الأمر بالهبوط فأعاد الله تعالى الأمر بالهبوط مرة ثانية ليعلما أن الأمر بالهبوط ما كان جزاء على ارتكاب الزلة حتى يزول بزوالها بل الأمر بالهبوط باق بعد التوبة لأن الأمر به كان تحقيقا للوعد المتقدم في قوله: * (إني جاعل في الأرض خليفة) * (البقرة: 30) فإن قيل