كقولك: زيد كريم وعمرو أكرم. ثم إنه سبحانه وتعالى فضل الحجارة على قلوبهم بأن بين أن الحجارة قد يحصل منها ثلاثة أنواع من المنافع، ولا يوجد في قلوب هؤلاء شيء من المنافع. فأولها: قوله تعالى: * (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرىء: " وإن " بالتخفيف وهي إن المخففة من الثقيلة التي تلزمها اللام الفارقة، ومنها قوله تعالى: * (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) * (يس: 32).
المسألة الثانية: التفجر التفتح بالسعة والكثرة، يقال: انفجرت قرحة فلان، أي انشقت بالمدة ومنه الفجر والفجور. وقرأ مالك بن دينار " ينفجر " بمعنى وإن من الحجارة ما ينشق فيخرج منه الماء الذي يجري حتى تكون منه الأنهار. قالت الحكماء: إن الأنهار إنما تتولد عن أبخرة تجتمع في باطن الأرض، فإن كان ظاهر الأرض رخوا انشقت تلك الأبخرة وانفصلت، وإن كان ظاهر الأرض صلبا حجريا اجتمعت تلك الأبخرة، ولا يزال يتصل تواليها بسوابقها حتى تكثر كثرة عظيمة فيعرض حينئذ من كثرتها وتواتر مدها أن تنشق الأرض وتسيل تلك المياه أودية وأنهارا. وثانيها: قوله تعالى: * (وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء) *، أي من الحجارة لما ينصدع فيخرج منه الماء فيكون عينا لا نهرا جاريا، أي أن الحجارة قد تندى بالماء الكثير وبالماء القليل، وفي ذلك دليل تفاوت الرطوبة فيها، وأنها قد تكثر في حال حتى يخرج منها ما يجري منه الأنهار، وقد تقل، وهؤلاء قلوبهم في نهاية الصلابة لا تندى بقبول شيء من المواعظ ولا تنشرح لذلك ولا تتوجه إلى الاهتداء وقوله تعالى: * (يشقق) * أي يتشقق، فأدغم التاء كقوله: * (يذكر) * أي يتذكر وقوله: * (يا أيها المزمل) * (المزمل: 1)، يا أيها المدثر) * (المدثر: 1). وثالثها: قوله تعالى: * (وإن منها لما يهبط من خشية الله) *.
واعلم أن فيه إشكالا وهو أن الهبوط من خشية الله صفة الأحياء العقلاء، والحجر جماد فلا يتحقق ذلك فيه، فلهذا الإشكال ذكروا في هذه الآية وجوها. أحدها: قول أبي مسلم خاصة وهو أن الضمير في قوله تعالى: * (وإن منها) * راجع إلى القلوب، فإنه يجوز عليها الخشية والحجارة لا يجوز عليها الخشية: وقد تقدم ذكر القلوب كما تقدم ذكر الحجارة، أقصى ما في الباب أن الحجارة أقرب المذكورين، إلا أن هذا الوصف لما كان لائقا بالقلوب دون الحجارة وجب رجوع هذا الضمير إلى القلوب دون الحجارة، واعترضوا عليه من وجهين. الأول: أن قوله تعالى: * (فهي كالحجارة أو أشد قسوة) * جملة تامة، ثم ابتدأ تعالى فذكر حال الحجارة بقوله: * (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار) * فيجب في قوله تعالى: * (وإن منها لما يهبط من خشية الله) * أن يكون راجعا إليها، الثاني: أن الهبوط يليق بالحجارة لا بالقلوب، فليس تأويل الهبوط أولى من تأويل الخشية، وثانيها: قول جمع من المفسرين: إن الضمير عائد إلى الحجارة، لكن لا نسلم أن الحجارة ليست حية عاملة، بيانه أن المراد من ذلك جبل موسى عليه السلام حين تقطع وتجلى