الميت، ثم قال: * (كذلك يحيي الله الموتى) * فجمع * (الموتى) * ولو كان المراد ذلك القتيل لما جمع في القول فكأنه قال: دل بذلك على أن الإعادة كالابتداء في قدرته. الثاني: قال القفال: ظاهر الكلام يدل على أن الله تعالى قال لبني إسرائيل: إحياء الله تعالى لسائر الموتى يكون مثل هذا الإحياء الذي شاهدتم، لأنهم وإن كانوا مؤمنين بذلك إلا أنهم لم يؤمنوا به إلا من طريق الاستدلال ولم يشاهدوا شيئا منه، فإذا شاهدوه اطمأنت قلوبهم وانتفت عنهم الشبهة التي لا يخلو منها المستدل، وقد قال إبراهيم عليه السلام: * (رب أرني كيف تحيي الموتى) * إلى قوله: * (ليطمئن قلبي) * (البقرة: 26) فأحيا الله تعالى لبني إسرائيل القتيل عيانا، ثم قال لهم: * (كذلك يحيي الله الموتى) * أي كالذي أحياه في الدنيا يحيي في الآخرة من غير احتياج في ذلك الإيجاد إلى مادة ومدة ومثال وآلة.
المسألة الثانية: من الناس من استدل بقوله تعالى: * (كذلك يحيي الله الموت) * على أن المقتول ميت وهو ضعيف لأنه تعالى قاس على إحياء ذلك القتيل إحياء الموتى، فلا يلزم من هذا كون القتيل ميتا.
أما قوله تعالى: * (ويريكم آياته) * فلقائل أن يقول: إن ذلك كان آية واحدة فلم سميت بالآيات؟ والجواب: أنها تدل على وجود الصانع القادر على كل المقدورات.
العالم بكل المعلومات، المختار في الإيجاد والإبداع، وعلى صدق موسى عليه السلام، وعلى براءة ساحة من لم يكن قاتلا. وعلى تعين تلك التهمة على من باشر ذلك القتل، فهي وإن كانت آية واحدة إلا أنها لما دلت على هذه المدلولات الكثيرة لا جرم جرت مجرى الآيات الكثيرة.
أما قوله تعالى: * (لعلكم تعقلون) * ففيه بحثان:
الأول: أن كلمة " لعل " قد تقدم تفسيرها في قوله تعالى: * (لعلكم تتقون) *.
الثاني: أن القوم كانوا عقلاء قبل عرض هذه الآيات عليهم وإذا كان العقل حاصلا امتنع أن يقال: إني عرضت عليك الآية الفلانية لكي تصير عاقلا، فإذن لا يمكن إجراء الآية على ظاهرها بل لا بد من التأويل وهو أن يكون المراد لعلكم تعملون على قضية عقولكم وأن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء الأنفس كلها لعدم الاختصاص، حتى لا ينكروا البعث، هذا آخر الكلام في تفسير الآية. واعلم أن كثيرا من المتقدمين ذكر أن من جملة أحكام هذه الآية أن القاتل هل يرث أم لا؟ قالوا: لا. لأنه روي عن عبيدة السلماني أن الرجل الذي كان قاتلا في هذه الواقعة حرم من الميراث لأجل كونه قاتلا. قال القاضي: لا يجوز جعل هذه المسألة من أحكام هذه الآية لأنه ليس في الظاهر أن القاتل هل كان وارثا لقتيله أم لا؟ وبتقدير أن يكون وارثا له فهل حرم الميراث أم لا؟ وليس يجب إذا روي عن أبي عبيدة أن القاتل حرم لمكان قتله الميراث أن يعد ذلك في جملة أحكام القرآن إذا كان لا يدل عليه لا مجملا ولا مفصلا، وإذا كان لم يثبت أن شرعهم كشرعنا وأنه لا يلزم الاقتداء بهم، فإدخال هذا الكلام في أحكام القرآن تعسف.