والاعراض عن المال والجاه لا جرم عالج الله تعالى المرض فقال (واستعينوا بالصبر والصلاة) (المسألة الثانية) ذكروا في الصبر والصلاة وجوها، أحدها: كأنه قيل واستعينوا على ترك ما تحبون من الدنيا والدخول فيما تستثقله طباعكم من قبول دين محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر أي بحبس النفس عن اللذات فإنكم إذا كلفتم أنفسكم ذلك مرنت عليه وخف عليها ثم إذا ضممتم الصلاة إلى ذلك تم المر. لان المشتغل بالصلاة لابد وأن يكون مشتغلا بذكر الله عز وجل وذكر جلاله وقهره وذكر رحمته وفضله، فإذا تذكر رحمته صار مائلا إلى طاعته وإذا تذكر عقابه ترك معصيته فيسهل عند ذلك اشتغاله بالطاعة وتركه للمعصية، وثانيها: المراد من الصبر ههنا هو الصوم لان كدورات حب الدنيا، فإذا انضاف إليه الصلاة استنار القلب بأنوار معرفة الله تعالى وإنما قدم الصوم على الصلاة لان تأثير الصوم في إزالة مالا ينبغي وتأثير الصلاة في حصول ما ينبغي والنفي مقدم على الاثبات، ولأنه عليه الصلاة والسلام قال (الصوم جنة من النار وقال الله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) لان الصلاة تمنع عن الاشتغال بالدنيا وتخشع القلب ويحصل بسببها تلاوة الكتاب والوقوف على ما فيه من الوعد والوعيد والمواعظ والآداب الجميلة وذكر مصير الخلق إلى دار الثواب أو دار العقاب رغبة في الآخرة ونفرة عن الدنيا فيهون على الانسان حينئذ ترك الرياسة، ومقطعة عن المخلوقين إلى قبلة خدمة الخالق ونظير هذه الآية قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) أما قوله تعالى (وإنها) ففي هذا الضمير وجوه أحدها: الضمير عائد إلى الصلاة أي الصلاة ثقيلة إلا على الخاشعين، وثانيها: الضمير عائد إلى الاستعانة التي يدل عليها قوله (واستعينوا) وثالثها: أنه عائد إلى جميع الأمور التي أمر بها بنوا إسرائيل ونهوا عنها من قوله (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) إلى قوله (واستعينوا) والعرب قد تضمر الشئ اختصارا أو تقتصر فيه على الايماء إذا وثقت بعلم المخاطب فيقول القائل: ما عليها أفضل من فلان يعنى الأرض، ويقولون: ما بين لابتيها أكرم من فلان يعنون المدينة قال تعالى (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة) ولا ذكر للأرض، أما قوله (لكبيرة) أي لشاقة ثقيلة على هؤلاء سهلة على الخاشعين فيجب أن يكون ثوابهم أكثر مما يلحق الخاشع وكيف يكون ذلك والخاشع يستعمل عند الصلاة جوارحه وقلبه وسمعه وبصره ولا يغفل عن تدبر ما يأتي به من الذكر والتذلل والخشوع، وإذا تذكر الوعيد لم يخل من حسرة وغم، وإذا ذكر الوعد فكمثل ذلك، وإذا كان هذا فعل الخاشع فالثقل عليه بفعل الصلاة أعظم، وإنما المراد بقوله: وإنها ثقيلة على من لم يخشع أنه م حيث لا يعتقد في فعلها ثوابا ولا في تركها عقابا فيعصب عليه فعلها.
فالحاصل أن الحد إذا لم يعتقد في فعلها منفعة ثقل عليه فعلها لان الاشتغال بما لا فائدة فيه يثقل