* (من خشية الله) * أي خشية الله، أي ينزل بالتخويف للعباد أو بما يوجب الخشية لله كما يقال: نزل القرآن بتحريم كذا وتحليل كذا أي بإيجاب ذلك على الناس، قال القاضي: هذا التأويل ترك للظاهر من غير ضرورة لأن البرد لا يوصف بالحجارة، لأنه وإن اشتد عند النزول فهو ماء في الحقيقة ولأنه لا يليق ذلك بالتسمية. أما قوله تعالى: * (وما الله بغافل عما تعملون) * فالمعنى أن الله تعالى بالمرصاد لهؤلاء القاسية قلوبهم وحافظ لأعمالهم محصي لها فهو يجازيهم بها في الدنيا والآخرة وهو كقوله تعالى: * (وما كان ربك نسيا) * وفي هذا وعيد لهم وتخويف كبير لينزجروا. فإن قيل: هل يصح أن يوصف الله بأنه ليس بغافل؟ قلنا: قال القاضي: لا يصح لأنه يوهم جواز الغفلة عليه وليس الأمر كذلك لأن نفي الصفة عن الشيء لا يستلزم ثبوت صحتها عليه، بدليل قوله تعالى: * (لا تأخذه سنة ولا نوم. وهو يطعم ولا يطعم) * والله أعلم.
* (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) * اعلم أنه سبحانه لما ذكر قبائح أفعال أسلاف اليهود إلى ههنا، شرح من هنا قبائح أفعال اليهود الذين كانوا في زمن محمد صلى الله عليه وسلم، قال القفال رحمه الله: إن فيما ذكره الله تعالى في هذه السورة من أقاصيص بني إسرائيل وجوها من المقصد، أحدها:
الدلالة بها على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر عنها من غير تعلم، وذلك لا يمكن أن يكون إلا بالوحي ويشترك في الانتفاع بهذه الدلالة أهل الكتاب والعرب، أما أهل الكتاب فلأنهم كانوا يعلمون هذه القصص فلما سمعوها من محمد من غير تفاوت أصلا، علموا لا محالة أنه ما أخذها إلا من الوحي. وأما العرب فلما يشاهدون من أن أهل الكتاب يصدقون محمدا في هذه الأخبار. وثانيها: تعديد النعم على بني إسرائيل وما من الله تعالى به على أسلافهم من أنواع الكرامة والفضل كالإنجاء من آل فرعون بعدما كانوا مقهورين مستعبدين ونصره إياهم وجعلهم أنبياء وملوكا وتمكينه لهم في الأرض وفرقه بهم البحر وإهلاكه عدوهم وإنزاله النور والبيان عليهم بواسطة إنزال التوراة والصفح عن الذنوب التي ارتكبوها من عبادة العجل ونقض المواثيق ومسألة النظر إلى الله جهرة، ثم ما أخرجه لهم في التيه من الماء العذب من الحجر وإنزاله عليهم المن والسلوى ووقايتهم من حر الشمس بتظليل الغمام، فذكرهم الله هذه النعم القديمة والحديثة، وثالثها: إخبار النبي عليه السلام