المسألة الثانية: الزحزحة التبعيد والإنحاء، قال القاضي: والمراد أنه لا يؤثر في إزالة العذاب أقل تأثير ولو قال تعالى: وما هو بمبعده وبمنجيه لم يدل على قلة التأثير كدلالة هذا القول.
وأما قوله تعالى: * (والله بصير بما يعملون) * فاعلم أن البصر قد يراد به العلم، يقال: إن لفلان بصرا بهذا الأمر، أي معرفة، وقد يراد به أنه على صفة لو وجدت المبصرات لأبصرها وكلا الوصفين يصحان عليه سبحانه إلا أن من قال: إن في الأعمال ما لا يصح أن يرى هذا البصر على العلم لا محالة والله أعلم.
* (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين * من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) * اعلم أن هذا النوع أيضا من أنواع قبائح اليهود ومنكرات أقوالهم وأفعالهم وفيه مسائل: المسألة الأولى: أن قوله تعالى: * (قل من كان عدوا لجبريل) * لا بد له من سبب وأمر قد ظهر من اليهود حتى يأمره تعالى بأن يخاطبهم بذلك لأنه يجري مجرى المحاجة، فإذا لم يثبت منهم في ذلك أمر لا يجوز أن يأمره الله تعالى بذلك والمفسرون ذكروا أمورا، أحدها: أنه عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة أتاه عبد الله بن صوريا فقال: يا محمد كيف نومك، فقد أخبرنا عن نوم النبي الذي يجيء في آخر الزمان؟ فقال عليه السلام: " تنام عيناي ولا ينام قلبي " قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن الولد أمن الرجل يكون أم من المرأة؟ فقال: أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل، وأما اللحم والدم والظفر والشعر، فمن المرأة فقال صدقت. فما بال الرجل يشبه أعمامه دون أخواله أو يشبه أخواله دون أعمامه؟ فقال: أيهما غلب ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له، قال: صدقت فقال: أخبرني أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه وفي التوراة أن النبي الأمي يخبر عنه؟ فقال عليه السلام: " أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا فطال سقمه فنذر لله نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن على نفسه أحب الطعام والشراب، وهو لحمان الإبل وألبانها؟ فقالوا: نعم. فقال له: بقيت خصلة واحدة إن قلتها آمنت بك، أي ملك يأتيك بما تقول عن الله؟ قال جبريل: قال إن ذلك عدونا ينزل بالقتال والشدة، ورسولنا ميكائيل يأتي بالبشر والرخاء فلو كان هو الذي يأتيك آمنا بك، فقال عمر: وما مبدأ هذه العداوة؟ فقال ابن صوريا