منه هذه الطريقة لا يصعب على النفس مخالفته كصعوبة من لم تجر عادته بذلك.
المسألة الرابعة: في العهد وجوه، أحدها: أن الله تعالى لما أظهر الدلائل الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى صحة شرعه كان ذلك كالعهد منه سبحانه وقبولهم لتلك الدلائل كالمعاهدة منهم لله سبحانه وتعالى، وثانيها: أن العهد هو الذي كانوا يقولون قبل مبعثه عليه السلام لئن خرج النبي لنؤمنن به ولنخرجن المشركين من ديارهم، وثالثها: أنهم كانوا يعاهدون الله كثيرا وينقضونه، ورابعها: أن اليهود كانوا قد عاهدوه على أن لا يعينوا عليه أحدا من الكافرين فنقضوا ذلك وأعانوا عليه قريشا يوم الخندق، قال القاضي: إن صحت هذه الرواية لم يمتنع دخوله تحت الآية لكن لا يجوز قصر الآية عليه بل الأقرب أن يكون المراد ما له تعلق بما تقدم ذكره من كفرهم بآيات الله، وإذا كان كذلك فحمله على نقض العهد فيما تضمنته الكتب المتقدمة والدلائل العقلية من صحة القول ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم أقوى.
المسألة الخامسة: إنما قال: * (نبذه فريق) * لأن في جملة من عاهد من آمن أو يجوز أن يؤمن فلما لم يكن ذلك صفة جميعهم خص الفريق بالذكر، ثم لما كان يجوز أن يظن أن ذلك الفريق هم الأقلون بين أنهم الأكثرون فقال: * (بل أكثرهم لا يؤمنون) * وفيه قولان، الأول: أكثر أولئك الفساق لا يصدقون بك أبدا لحسدهم وبغيهم، والثاني: لا يؤمنون: أي لا يصدقون بكتابهم لأنهم كانوا في قومهم كالمنافقين مع الرسول يظهرون لهم الإيمان بكتابهم ورسولهم ثم لا يعملون بموجبه ومقتضاه.
* (ولما جآءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله ورآء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) * اعلم أن معنى كون الرسول مصدقا لما معهم هو أنه كان معترفا بنبوة موسى عليه السلام وبصحة التوراة أو مصدقا لما معهم من حيث إن التوراة بشرت بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم فإذا أتى محمد كان مجرد مجيئه مصدقا للتوراة.
أما قوله تعالى: * (نبذ فريق) * فهو مثل لتركهم وإعراضهم عنه بمثل ما يرمى به وراء الظهر استغناء عنه وقلة التفات إليه.
أما قوله تعالى: * (من الذين أوتوا الكتاب) * ففيه قولان، أحدهما: أن المراد ممن أوتي علم الكتاب من يدرسه ويحفظه، قال هذا القائل: الدليل عليه أنه تعالى وصف هذا الفريق بالعلم