تعالى: * (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) * (الجاثية: 14) وقوله: * (واهجرهم هجرا جميلا) * (المزمل: 10) ولذلك لم يأمر بذلك على الدوام بل علقه بغاية فقال: * (حتى يأتي الله بأمره) * وذكروا فيه وجوه h، أحدها: أنه المجازاة يوم القيامة عن الحسن، وثانيها: أنه قوة الرسول وكثرة أمته.
وثالثها: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين، إنه الأمر بالقتال لأن عنده يتعين أحد أمرين: إما الإسلام، وإما الخضوع لدفع الجزية وتحمل الذل والصغار، فلهذا قال العلماء: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) * (التوبة: 29) وعن الباقر رضي الله عنه أنه لم يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال حتى نزل جبريل عليه السلام بقوله: * (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) * (الحج: 39) وقلده سيف h فكان أول قتال قاتل أصحاب عبد الله بن جحش ببطن نخل وبعده غزوة بدر، وههنا سؤالان: السؤال الأول: كيف يكون منسوخا وهو معلق بغاية كقوله: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * (البقرة: 187) وإن لم يكن ورود الليل ناسخا فكذا ههنا، الجواب: أن الغاية التي يعلق بها الأمر إذا كانت لا تعلم إلا شرعا لم يخرج ذلك الوارد شرعا عن أن يكون ناسخا ويحل محل قوله: * (فاعفوا واصفحوا) * إلى أن أنسخه عنكم. السؤال الثاني: كيف يعفون ويصفحون والكفار كانوا أصحاب الشوكة والقوة والصفح لا يكون إلا عن قدرة؟ والجواب: أن الرجل من المسلمين كان ينال بالأذى فيقدر في تلك الحالة قبل اجتماع الأعداء أن يدفع عدوه عن نفسه وأن يستعين بأصحابه، فأمر الله تعالى عند ذلك بالعفو والصفح كي لا يهيجوا شرا وقتالا.
القول الثاني: في التفسير قوله: * (فاعفوا واصفحوا) * حسن الاستدعاء، واستعمل ما يلزم فيه من النصح والإشفاق والتشدد فيه، وعلى هذا التفسير لا يجوز نسخه وإنما يجوز نسخه على التفسير الأول.
أما قوله تعالى: * (إن الله على كل شيء قدير) * فهو تحذير لهم بالوعيد سواء حمل على الأمر بالقتال أو غيره.