لا يجوز أن تجب لعود الثواب الذي هو المنافع فقط لأن الفعل لا يجوز أن يجب لأجل جلب المنافع كما لا تجب النوافل بل الأنبياء عليهم السلام لما عصمهم الله تعالى صار أحد أسباب عصمتهم التشديد عليهم في التوبة حالا بعد حال وإن كانت معاصيهم صغيرة.
المسألة السادسة: قال القفال: أصل التوبة الرجوع كالأوبة. يقال: توب كما يقال أوب. قال الله تعالى: * (قابل التوب) * فقولهم تاب يتوب توبا وتوبة ومتابا فهو تائب وتواب كقولهم آب يؤوب أوبا وأوبة فهو آيب وأواب، والتوبة لفظة يشترك فيها الرب والعبد، فإذا وصف بها العبد فالمعنى رجع إلى ربه لأن كل عاص فهو في معنى الهارب من ربه فإذا تاب فقد رجع عن هربه إلى ربه فيقال: تاب إلى ربه والرب في هذه الحالة كالمعرض عن عبده وإذا وصف بها الرب تعالى فالمعنى أنه رجع على عبده برحمته وفضله ولهذا السبب وقع الاختلاف في الصلة، فقيل في العبد: تاب إلى ربه. وفي الرب على عبده وقد يفارق الرجل خدمة رئيس فيقطع الرئيس معروفه عنده، ثم يراجع خدمته، فيقال: فلان عاد إلى الأمير والأمير عاد عليه بإحسانه ومعروفه، إذا عرفت هذا فنقول: قبول التوبة يكون بوجهين، أحدهما: أن يثيب عليها الثواب العظيم كما أن قبول الطاعة يراد به ذلك، والثاني: أنه تعالى يغفر ذنوبه بسبب التوبة.
المسألة السابعة: المراد من وصف الله تعالى بالتواب المبالغة في قبول التوبة وذلك من وجهين، الأول: أن واحدا من ملوك الدنيا متى جنى عليه إنسان ثم اعتذر إليه فإنه يقبل الاعتذار، ثم إذا عاد إلى الجناية وإلى الاعتذار مرة أخرى فإنه لا يقبله لأن طبعه يمنعه من قبول العذر، أما الله سبحانه وتعالى فإنه بخلاف ذلك، فإنه إنما يقبل التوبة لا لأمر يرجع إلى رقة طبع أو جلب نفع أو دفع ضرر بل إنما يقبلها لمحض الإحسان والتفضل. فلو عصى المكلف كل ساعة ثم تاب وبقي على هذه الحالة العمر الطويل لكان الله تعالى يغفر له ما قد سلف ويقبل توبته، فصار تعالى مستحقا للمبالغة في قبول التوبة فوصف بأنه تعالى تواب. الثاني: أن الذين يتوبون إلى الله تعالى فإنه يكثر عددهم فإذا قبل توبة الجميع استحق المبالغة في ذلك، ولما كان قبول التوبة مع إزالة العقاب يقتضي حصول الثواب وكان الثواب من جهته نعمة ورحمة وصف نفسه مع كونه توابا بأنه رحيم.
المسألة الثامنة: في هذه الآية فوائد: إحداها: أنه لا بد وأن يكون العبد مشتغلا بالتوبة في كل حين وأوان، لما ورد في ذلك من الأحاديث والآثار، أما الأحاديث (أ) روي أن رجلا سأل أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه عن الرجل يذنب ثم يستغفر ثم يذنب ثم يستغفر ثم يذنب ثم يستغفر فقال أمير المؤمنين: يستغفر أبدا حتى يكون الشيطان هو الخاسر فيقول لا طاقة لي معه، وقال علي: كلما قدرت أن تطرحه في ورطة وتتخلص منها فافعل. (ب) وروى أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يصر من استغفر