على الطبع أما الموحد فلما اعتقد في فعلها أعظم المنافع وفى تركها أعظم المضار لم يثقل ذلك عليه لما يعتقد في فعله من الثواب والفوز العظيم بالنعيم والخلاص من العذاب الأليم، ألا ترى إلى قوله (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) أي يتوقعون نيل ثوابه والخلاص من عقابه. مثاله إذا قيل للمريض كل هذا الشئ المر فإن اعتقد أن له فيه شفاء سهل ذلك عليه. وإن لم يعتقد ذلك فيه صعب الامر عليه، وعليه يحمل قوله عليه الصلاة والسلام وجعلت قرة عيني في الصلاة وصف الصلاة بذلك للوجوه التي ذكرناها لا لأنها كانت لا تثقل عليه، وكيف وكان عليه الصلاة والسلام يصلى حتى تو رمت قدماه، وأما الخشوع فهو التذلل والخضوع. أما قوله (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) فللمفسرين فيه قولان، الأول: أن الظن بمعنى العلم قالوا لان الظن وهو الاعتقاد الذي يقارنه تجويز النقيض يقتضى أن يكون صاحبه غير جازم بيوم القيامة وذلك كفر والله تعالى مدح على هذا الظن والمدح على الكفر غير جائز فوجب أن يكون المراد من الظن ههنا العلم، وسبب هذا المجاز أن العلم والظن يشتركون في كون كل واحد منهما اعتقادا راجحا إلا أن العلم راجح مانع من النقيض والظن راجح غير مانع من النقيض فلما اشتبها من هذا الوجه صح إطلاق اسم أحدهما على الآخر، قال أوس بن حجر:
فأرسلته مستيقن الظن أنه... مخالط ما بين الشراسيف خائف وقال تعالى (إني ظننت أنى ملاق حسابيه) وقال (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون) ذكر الله تعالى ذلك إنكارا عليهم وبعثا على الظن ولا يجوز أن يبعثهم على الاعتقاد المجوز للنقيض فثبت أن المراد بالظن ههنا العلم.
(القول الثاني) أن يحمل اللفظ على ظاهره وهو الظن الحقيقي، ثم ههنا وجوه (الأول) أن تجعل ملاقاة الرب مجازا عن الموت، وذلك لان ملاقاة الرب مسبب عن الموت فأطلق المسبب والمراد منه السبب، وهذا مجاز مشهور فإنه يقال لمن مات إنه لقى ربه. إذا ثبت هذا فنقول: وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون الموت في كل لحظة، وذلك لان كل من كان متوقعا للموت في كل لحظة فإنه لا يفارق قلبه الخشوع فهم يبادرون إلى التوبة، لان خوف الموت مما يقوى دواعي التوبة ولأنه مع خشوعه لابد في كل حال من أن لا يأمن تقصيرا جرى منه فيلزمه التلافي، بملاقاة ثواب الرب وذلك مظنون لا معلوم فان الزاهد العابد لا يقطع بكونه ملاقيا لثواب الله بل يظن إلا أن ذلك الظن مما يحمله على كمال الخشوع. الثالث: المعنى: الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم بذنوبهم فإن الانسان الخاشع قد يسئ ظنه بنفسه وبأعماله فيغلب على ظنه أنه يلقى الله تعالى بذنوبه فعند ذلك يسارع إلى التوبة وذلك من صفات المدح. بقى هنا مسألتان:
(المسألة الأولى) استدل بعض الأصحاب بقوله (ملاقوا ربهم) على جواز رؤية الله تعالى