الصلاة والسلام من الكتاب وجحودهم لحقه وحالهم في كتابهم ونبيهم ما ذكر والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين) * ففيه بحثان:
الأول: ذكر القفال في تفسيره وجهين. الأول: لولا ما تفضل الله به عليكم من إمهالكم وتأخير العذاب عنكم لكنتم من الخاسرين أي من الهالكين الذين باعوا أنفسهم بنار جهنم، فدل هذا القول على أنهم إنما خرجوا عن هذا الخسران لأن الله تعالى تفضل عليهم بالإمهال حتى تابوا. الثاني: أن يكون الخبر قد انتهى عند قوله تعالى: * (ثم توليتم من بعد ذلك) * ثم قيل: * (فلولا فضل الله عليكم ورحمته) * رجوعا بالكلام إلى أوله، أي لولا لطف الله بكم برفع الجبل فوقكم لدمتم على ردكم الكتاب ولكنه تفضل عليكم ورحمكم فلطف بكم بذلك حتى تبتم.
البحث الثاني: أن لقائل أن يقول كلمة * (لولا) * تفيد انتفاء الشيء لثبوت غيره، فهذا يقتضي أن انتفاء الخسران من لوازم حصول فضل الله تعالى فحيث حصل الخسران وجب أن لا يحصل هناك لطف الله تعالى. وهذا يقتضي أن الله تعالى لم يفعل بالكافر شيئا من الألطاف الدينية وذلك خلاف قول المعتزلة: أجاب الكعبي بأنه تعالى سوى بين الكل في الفضل لكن انتفع بعضهم دون بعض، فصح أن يقال ذلك كما يقول القائل لرجل وقد سوى بين أولاده في العطية فانتفع بعضهم: لولا أن أباك فضلك لكنت فقيرا، وهذا الجواب ضعيف لأن أهل اللغة نصوا على أن: " لولا " تفيد انتفاء الشيء لثبوت غيره وبعد ثبوت هذه المقدمة فكلام الكعبي ساقط جدا.
* (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين * فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين) * اعلم أنه تعالى لما عدد وجوه إنعامه عليهم أولا ختم ذلك بشرح بعض ما وجه إليهم من التشديدات، وهذا هو النوع الأول وفيه مسائل: المسألة الأولى: روي عن ابن عباس أن هؤلاء القوم كانوا في زمان داود عليه السلام بأيلة على ساحل البحر بين المدينة والشام وهو مكان من البحر يجتمع إليه الحيتان من كل أرض في شهر من السنة حتى لا يرى الماء لكثرتها وفي غير ذلك الشهر في كل سبت خاصة وهي القرية المذكورة في قوله: * (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت) * (الأعراف: 163) فحفروا حياضا عند البحر وشرعوا إليها الجداول فكانت الحيتان تدخلها فيصطادونها يوم الأحد فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم، ثم إنهم أخذوا السمك واستغنوا بذلك وهم خائفون من