أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه، يقال في التوكيد أصفر فاقع وأسود حالك وأبيض يقق وأحمر قان وأخضر ناضر، وههنا سؤالان:
الأول: " فاقع " ههنا واقع خبرا عن اللون فكيف يقع تأكيدا لصفراء؟ الجواب: لم يقع خبرا عن اللون إنما وقع تأكيدا لصفراء إلا أنه ارتفع اللون به ارتفاع الفاعل واللون سببها وملتبس بها، فلم يكن فرق بين قولك: صفراء فاقعة وصفراء فاقع لونها.
السؤال الثاني: فهلا قيل صفراء فاقعة وأي فائدة في ذكر اللون؟ الجواب: الفائدة فيه التوكيد لأن اللون اسم للهيئة وهي الصفرة، فكأنه قيل شديدة الصفرة صفرتها فهو من قولك: جد جده وجنون مجنون. وعن وهب: إذ نظرت إليها خيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها.
أما قوله تعالى: * (تسر الناظرين) * فالمعنى أن هذه البقرة لحسن لونها تسر من نظر إليها، قال الحسن: الصفراء ههنا بمعنى السوداء، لأن العرب تسمي الأسود أصفر، نظيره قوله تعالى في صفة الدخان: * (كأنه جمالات صفر) * (المرسلات: 33) أي سود، واعترضوا على هذا التأويل بأن الأصفر لا يفهم منه الأسود البتة، فلم يكن حقيقة فيه، وأيضا السواد لا ينعت بالفقوع، إنما يقال: أصفر فاقع وأسود حالك والله أعلم، وأما السرور فإنه حالة نفسانية تعرض عند حصول اعتقاد أو علم أو ظن بحصول شيء لذيذ أو نافع، ثم إنه تعالى حكى سؤالهم الثالث وهو قوله تعالى: * (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون) * وههنا مسائل:
المسألة الأولى: قال الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " والذي نفس محمد بيده لو لم يقولوا إن شاء الله لحيل بينهم وبينها أبدا "، واعلم أن ذلك يدل على أن التلفظ بهذه الكلمة مندوب في كل عمل يراد تحصيله، ولذلك قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) * (الكهف: 23)، وفيه استعانة بالله وتفويض الأمر إليه، والاعتراف بقدرته ونفاذ مشيئته.
المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذا على أن الحوادث بأسرها مرادة لله تعالى فإن عند المعتزلة أن الله تعالى لما أمرهم بذلك فقد أراد اهتداءهم لا محالة، وحينئذ لا يبقى لقولهم إن شاء الله فائدة. أما على قول أصحابنا فإنه تعالى قد يأمر بما لا يريد فحينئذ يبقى لقولنا إن شاء الله فائدة.
المسألة الثالثة: احتجت المعتزلة على أن مشيئة الله تعالى محدثة بقوله: * (إن شاء الله) * من وجهين: الأول: أن دخول كلمة " أن " عليه يقتضي الحدوث. والثاني: وهو أنه تعالى علق حصول الاهتداء على حصول مشيئة الاهتداء، فلما لم يكن حصول الاهتداء أزليا وجب أن لا تكون مشيئة الاهتداء أزلية. ولنرجع إلى التفسير، فأما قوله تعالى: * (يبين لنا ما هي) * ففيه السؤال المذكور وهو أن قولنا: ما هو طلب بيان الحقيقة، والمذكور ههنا في الجواب الصفات العرضية المفارقة فكيف يكون هذا الجواب مطابقا للسؤال؟ وقد تقدم جوابه.