فإنها مأمور بها لقوله تعالى: * (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) * (فاطر: 6) وقال تعالى: * (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) * (الأعراف: 27) إذا ثبت هذا ظهر أن المراد من الآية اهبطوا من السماء وأنتم بعضكم لبعض عدو.
المسألة الخامسة: المستقر قد يكون بمعنى الاستقرار كقوله تعالى: * (إلى ربك يومئذ المستقر) * (القيامة: 12)، وقد يكون بمعنى المكان الذي يستقر فيه كقوله تعالى: * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا) * (الفرقان: 24)، وقال تعالى: * (فمستقر ومستودع) * (الأنعام: 98) إذا عرفت هذا فنقول: الأكثرون حملوا قوله تعالى: * (ولكم في الأرض مستقر) * (البقرة: 36) (الأعراف: 24)، على المكان، والمعنى أنها مستقركم حالتي الحياة والموت، وروى السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: المستقر هو القبر، أي قبوركم تكونون فيها. والأول أولى لأنه تعالى قدر المتاع وذلك لا يليق إلا بحال الحياة، ولأنه تعالى خاطبهم بذلك عند الإهباط وذلك يقتضي حال الحياة، واعلم أنه تعالى قال في سورة الأعراف في هذه القصة: * (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين، قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون) * (الأعراف: 24، 25)، فيجوز أن يكون قوله: * (فيها تحيون) *، إلى آخر الكلام بيانا لقوله: * (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) *، ويجوز أن يكون زيادة على الأول.
المسألة السادسة: اختلفوا في معنى الحين بعد اتفاقهم على أنه اسم للزمان والأولى أن يراد به الممتد من الزمان لأن الرجل يقول لصاحبه: ما رأيتك منذ حين إذا بعدت مشاهدته له ولا يقال ذلك مع قرب المشاهدة، فلما كانت أعمار الناس طويلة وآجالهم عن أوائل حدوثهم متباعدة جاز أن يقول: * (ومتاع إلى حين) *:
المسألة السابعة: اعلم أن في هذه الآيات تحذيرا عظيما عن كل المعاصي من وجوه: أحدها: أن من تصور ما جرى على آدم عليه السلام بسبب إقدامه على هذه الزلة الصغيرة، كان على وجل شديد من المعاصي، قال الشاعر:
يا ناظرا يرنو بعيني راقد * ومشاهدا للأمر غير مشاهد تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجى * درك الجنان ونيل فوز العابد أنسيت أن الله أخرج آدما * منها إلى الدنيا بذنب واحد وعن فتح الموصلي أنه قال: كنا قوما من أهل الجنة فسبانا إبليس إلى الدنيا، فليس لنا إلا الهم والحزن حتى نرد إلى الدار التي أخرجنا منها، وثانيها: التحذير عن الاستكبار والحسد والحرص، عن قتادة في قوله تعالى: * (أبى واستكبر) * (البقرة: 34)، قال حسد عدو الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة فقال: أنا ناري وهذا طيني ثم ألقى الحرص في قلب آدم حتى حمله على ارتكاب المنهي عنه ثم ألقى الحسد في قلب قابيل حتى قتل هابيل. وثالثها: أنه سبحانه وتعالى بين العداوة الشديدة بين ذرية آدم وإبليس، وهذا تنبيه عظيم على وجوب الحذر.