ليحترز الناس عنه؟ وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: " اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس ".
المسألة الخامسة: قال أهل التحقيق: كلام الناس مع الناس إما أن يكون في الأمور الدينية أو في الأمور الدنيوية، فإن كان في الأمور الدينية فإما أن يكون في الدعوة إلى الإيمان وهو مع الكفار أو في الدعوة إلى الطاعة وهو مع الفاسق، أما الدعوة إلى الإيمان فلا بد وأن تكون بالقول الحسن كما قال تعالى لموسى وهارون: * (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) * (طه: 44) أمرهما الله تعالى بالرفق مع فرعون مع جلالتهما ونهاية كفر فرعون وتمرده وعتوه على الله تعالى، وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) * (آل عمران: 159) الآية، وأما دعوة الفساق فالقول الحسن فيه معتبر، قال تعالى: * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) * (النحل: 125) وقال: * (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) * (فصلت: 34) وأما في الأمور الدنيوية فمن المعلوم بالضرورة أنه إذا أمكن التوصل إلى الغرض بالتلطف من القول لم يحسن سواه، فثبت أن جميع آداب الدين والدنيا داخلة تحت قوله تعالى: * (وقولوا للناس حسنا) *.
المسألة السادسة: ظاهر الآية يدل على أن الإحسان إلى ذي القربى واليتامى والمساكين كان واجبا عليهم في دينهم، وكذا القول الحسن للناس كان واجبا عليهم، لأن أخذ الميثاق يدل على الوجوب، وذلك لأن ظاهر الأمر للوجوب ولأنه تعالى ذمهم على التولي عنه وذلك يفيد الوجوب والأمر في شرعنا أيضا، كذلك من بعض الوجوه، وروي عن ابن عباس أنه قال: إن الزكاة نسخت كل حق، وهذا ضعيف لأنه لا خلاف أن من اشتدت به الحاجة وشاهدناه بهذه الصفة فإنه يلزمنا التصدق عليه، وإن لم يجب علينا الزكاة حتى أنه إن لم تندفع حاجتهم بالزكاة كان التصدق واجبا ولا شك في وجوب مكالمة الناس بطريق لا يتضررون به.
التكليف السابع والثامن: قوله تعالى: * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * وقد تقدم تفسيرهما.
واعلم أنه تعالى لما شرح أنه أخذ الميثاق عليهم في هذه التكاليف الثمانية، بين أنه مع إنعامه عليهم بأخذ الميثاق عليهم بكل ذلك ليقبلوا فتحصل لهم المنزلة العظمى عند ربهم، تولوا وأساءوا إلى أنفسهم ولم يتلقوا نعم ربهم بالقبول مع توكيد الدلائل والمواثيق عليهم، وذلك يزيد في قبح ما هم عليه من الإعراض والتولي، لأن الإقدام على مخالفة الله تعالى بعد أن بلغ الغاية في البيان والتوثق يكون أعظم من المخالفة مع الجهالة، واختلفوا فيمن المراد بقوله: * (ثم توليتم) * على ثلاثة أوجه: أحدها: أنه من تقدم من بني إسرائيل، وثانيها: أنه خطاب لمن كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود، يعني أعرضتم بعد ظهور المعجزات كإعراض أسلافكم، وثالثها: المراد بقوله: * (ثم توليتم) * من تقدم بقوله: * (وأنتم معرضون) * ومن تأخر. أما وجه القول الأول أنه إذا كان الكلام الأول في المتقدمين منهم فظاهر الخطاب يقتضي أن آخره فيهم أيضا إلا بدليل يوجب