أما قوله تعالى: * (إن البقر تشابه علينا) * فالمعنى أن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا أيها نذبح، وقرئ تشابه بمعنى تتشابه بطرح التاء وإدغامها في الشين و (قرىء) تشابهت ومتشابهة ومتشابه.
أما قوله تعالى: * (وإنا إن شاء الله لمهتدون) * ففيه وجوه ذكرها القفال. أحدها: وإنا بمشيئة الله نهتدي للبقرة المأمور بذبحها عند تحصيلنا أوصافها التي بها تمتاز عما عدها. وثانيها: وإنا إن شاء الله تعريفها إيانا بالزيادة لنا في البيان نهتدي إليها. وثالثها: وإنا إن شاء الله على هدى في استقصائنا في السؤال عن أوصاف البقرة أي نرجوا أنا لسنا على ضلالة فيما نفعله من هذا البحث. ورابعها: إنا بمشيئة الله نهتدي للقاتل إذا وصفت لنا هذه البقرة بما به تمتاز هي عما سواها ثم أجاب الله تعالى عن سؤالهم بقوله تعالى: * (إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض) * وقوله: * (لا ذلول) * صفة لبقرة بمعنى بقرة غير ذلول بمعنى لم تذلل للكراب وإثارة الأرض ولا هي من البقر التي يسقى عليها فتسقى الحرث و " لا " الأولى للنفي والثانية مزيدة لتوكيد الأولى، لأن المعنى لا ذلول تثير وتسقى على أن الفعلين صفتان لذلول كأنه قيل لا ذلول مثيرة وساقية، وجملة القول أن الذلول بالعمل لا بد من أن تكون ناقصة فبين تعالى أنها لا تثير الأرض ولا تسقى الحرث لأن هذين العملين يظهر بهما النقص.
أما قوله تعالى: * (مسلمة) * ففيه وجوه. أحدها: من العيوب مطلقا. وثانيها: من آثار العمل المذكور. وثالثها: مسلمة أي وحشية مرسلة عن الحبس. ورابعها: مسلمة من الشية التي هي خلاف لونها أي خلصت صفرتها عن اختلاط سائر الألوان بها، وهذا الرابع ضعيف وإلا لكان قوله: * (لاشية فيها) * تكرارا غير مفيد، بل الأولى حمله على السلامة من العيوب واللفظ يقتضي ذلك لأن ذلك يفيد السلامة الكاملة عن العلل والمعايب، واحتج العلماء به على جواز استعمال الظاهر مع تجويز أن يكون الباطن بخلافه لأن قوله: * (مسلمة) * إذا فسرناها بأنها مسلمة من العيوب فذلك لا نعلمه من طريق الحقيقة إنما نعلمه من طريق الظاهر: أما قوله تعالى: * (لاشية فيها) * فالمراد أن صفرتها خالصة غير ممتزجة بسائر الألوان لأن البقرة الصفراء قد توصف بذلك إذا حصلت الصفرة في أكثرها فأراد تعالى أن يبين عموم ذلك بقوله: * (لاشية فيها) * روي أنها كانت صفراء الأظلاف صفراء القرون، والوشي خلط لون بلون. ثم أخبر الله تعالى عنهم بأنهم وقفوا عند هذا البيان واقتصروا عليه فقالوا: * (الآن جئت بالحق) * أي الآن بانت هذه البقرة عن غيرها لأنها بقرة عوان صفراء غير مذللة بالعمل، قال القاضي: قوله تعالى: * (الآن جئت بالحق) * كفر من قبلهم لا محالة لأنه يدل على أنهم اعتقدوا فيما تقدم من الأوامر أنها ما كانت حقه، وهذا ضعيف لاحتمال أن يكون المراد الآن ظهرت حقيقة ما أمرنا به حتى تميزت من غيرها فلا يكون كفرا.