ضعيف. أما قوله تعالى: * (أم تقولون على الله ما لا تعلمون) * فهو بيان لتمام الحجة المذكورة، فإنه إذا كان لا طريق إلى التقدير المذكور إلا السمع وثبت أنه لم يوجد السمع، كان الجزم بذلك التقدير قولا على الله تعالى بما لا يكون معلوما لا محالة، وهذه الآية تدل على فوائد. أحدها: أنه تعالى لما عاب عليهم القول الذي قالوه لا عن دليل علمنا أن القول بغير دليل باطل. وثانيها: أن كل ما جاز وجوده وعدمه عقلا لم يجز المصير إلى الإثبات أو إلى النفي إلا بدليل سمعي. وثالثها: أن منكري القياس وخبر الواحد يتمسكون بهذه الآية. قالوا: لأن القياس وخبر الواحد لا يفيد العلم، فوجب أن لا يكون التمسك به جائزا لقوله تعالى: * (أم تقولون على الله ما لا تعلمون) * ذكر ذلك في معرض الإنكار. والجواب: أنه لما دلت الدلالة على وجوب العمل عند حصول الظن المستند إلى القياس أو إلى خبر الواحد كان وجوب العمل معلوما، فكان القول به قولا بالمعلوم لا بغير المعلوم.
* (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * قال صاحب الكشاف: " بلى " إثبات لما بعد حرف النفي وهو قوله تعالى: * (لن تمسنا النار) *، أي بلى تمسكم أبدا بدليل قوله: * (هم فيها خالدون) *. أما السيئة فإنها تتناول جميع المعاصي. قال تعالى: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * (الشورى: 40)، * (من يعمل سوءا يجز به) * (النساء: 123) ولما كان من الجائز أن يظن أن كل سيئة صغرت أو كبرت فحالها سواء في أن فاعلها يخلد في النار لا جرم بين تعالى أن الذي يستحق به الخلود أن يكون سيئة محيطة به، ومعلوم أن لفظ الإحاطة حقيقة في إحاطة جسم بجسم آخر كإحاطة السور بالبلد والكوز بالماء وذلك ههنا ممتنع فنحمله على ما إذا كانت السيئة كبيرة لوجهين. أحدهما: أن المحيط يستر المحاط به والكبيرة لكونها محيطة لثواب الطاعات كالساترة لتلك الطاعات، فكانت المشابهة حاصلة من هذه الجهة، والثاني: أن الكبيرة إذا أحبطت ثواب الطاعات فكأنها استولت على تلك الطاعات وأحاطت بها كما يحيط عسكر العدو بالإنسان، بحيث لا يتمكن الإنسان من التخلص منه، فكأنه تعالى قال: بلى من كسب كبيرة وأحاطت كبيرته بطاعاته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، فإن قيل: هذه الآية وردت في حق اليهود، قلنا: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، هذا هو الوجه الذي استدلت المعتزلة به في إثبات الوعيد لأصحاب الكبائر.
واعلم أن هذه المسألة من معظمات المسائل، ولنذكرها ههنا فنقول: اختلف أهل القبلة في وعيد أصحاب الكبائر، فمن الناس من قطع بوعيدهم وهم فريقان، منهم من أثبت الوعيد المؤبد وهو قول جمهور المعتزلة والخوارج. ومنهم من أثبت وعيدا منقطعا وهو قول بشر المريسي