. الثاني: أن المقتدر على البيان يكون قادرا على تحسين ما يكون قبيحا وتقبيح ما يكون حسنا فذلك يشبه السحر من هذا الوجه.
المسألة الثالثة: في أقسام السحر: اعلم أن السحر على أقسام. الأول: سحر الكلدانيين والكسدانيين الذين كانوا في قديم الدهر وهم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم، ومنها تصدر الخيرات والشرور والسعادة والنحوسة وهم الذين بعث الله تعالى إبراهيم عليه السلام مبطلا لمقالتهم ورادا عليهم في مذهبهم. أما المعتزلة فقد اتفقت كلمتهم على أن غير الله تعالى لا يقدر على خلق الجسم والحياة واللون والطعم، واحتجوا بوجوه ذكرها القاضي ولخصها في تفسيره وفي سائر كتبه ونحن ننقل تلك الوجوه وننظر فيها. أولها: وهو النكتة العقلية التي عليها يعولون أن كل ما سوى الله إما متحيز وإما قائم بالمتحيز، فلو كان غير الله فاعلا للجسم والحياة لكان ذلك الغير متحيزا، وذلك المتحيز لا بد وأن يكون قادرا بالقدرة، إذ لو كان قادرا لذاته لكان كل جسم كذلك بناء على أن الأجسام متماثلة لكن القادر بالقدرة لا يصح منه فعل الجسم والحياة، ويدل عليه وجهان. الأول: أن العلم الضروري حاصل بأن الواحد منا لا يقدر على خلق الجسم والحياة ابتداء، فقدرتنا مشتركة في امتناع ذلك عليها، فهذا الامتناع حكم مشترك فلا بد له من علة مشتركة ولا مشترك ههنا إلا كوننا قادرين بالقدرة، وإذا ثبت هذا وجب فيمن كان قادرا بالقدرة أن يتعذر عليه فعل الجسم والحياة. الثاني: أن هذه القدرة التي لنا لا شك أن بعضها يخالف بعضا، فلو قدرنا قدرة صالحة لخلق الجسم والحياة لم تكن مخالفتها لهذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدرة للبعض، فلو كفى ذلك القدر من المخالفة في صلاحيتها لخلق الجسم والحياة لوجب في هذه القدرة أن يخالف بعضها بعضا، وأن تكون صالحة لخلق الجسم والحياة، ولما لم يكن كذلك علمنا أن القادر بالقدرة لا يقدر على خلق الجسم والحياة. وثانيها: أنا لو جوزنا ذلك لتعذر الاستدلال بالمعجزات على النبوات لأنا لو جوزنا استحداث الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية لم يمكنا القطع بأن هذه الخوارق التي ظهرت على أيدي الأنبياء عليهم السلام صدرت عن الله تعالى، بل يجوز فيها أنهم أتوا بها من طريق السحر، وحينئذ يبطل القول بالنبوات من كل الوجوه. وثالثها: أنا لو جوزنا أن يكون في الناس من يقدر على خلق الجسم والحياة والألوان لقدر ذلك الإنسان على تحصيل الأموال العظيمة من غير تعب، لكنا نرى من يدعي السحر متوصلا إلى اكتساب الحقير من المال بجهد جهيد، فعلمنا كذبه وبهذا الطريق نعلم فساد ما يدعيه قوم من الكيمياء، لأنا نقول: لو أمكنهم ببعض الأدوية أن يقلبوا غير الذهب ذهبا لكان إما أن يمكنهم ذلك بالقليل من الأموال، فكان ينبغي أن يغنوا أنفسهم بذلك عن المشقة والذلة أو لا يمكنهم إلا بالآلات العظام والأموال الخطيرة، فكان يجب أن يظهروا ذلك للملوك المتمكنين من ذلك، بل كان يجب أن يفطن الملوك لذلك لأنه أنفع لهم من فتح البلاد