من وجوه، الأول: أنه كما أن من شرط كون السيئة محيطة بالإنسان كونها كبيرة فكذلك شرط هذه الإحاطة عدم العفو، لأنه لو تحقق العفو لما تحققت إحاطة السيئة بالإنسان، فإذن لا يثبت كون السيئة محيطة بالإنسان إلا إذا ثبت عدم العفو، وهذا أول المسألة ويتوقف الاستدلال بهذه الآية على ثبوت المطلوب وهو باطل. الثاني: أنا لا نفسر إحاطة الخطيئة بكونها كبيرة، بل نفسرها بأن يكون ظاهره وباطنه موصوفا بالمعصية، وذلك إنما يتحقق في حق الكافر الذي يكون عاصيا لله بقلبه ولسانه وجوارحه، فأما المسلم الذي يكون مطيعا لله بقلبه ولسانه ويكون عاصيا لله تعالى ببعض أعضائه دون البعض فههنا لا تتحق إحاطة الخطيئة بالعبد، ولا شك أن تفسير الإحاطة بما ذكرناه أولى، لأن الجسم إذا مس بعض أجزاء جسم آخر دون بعض لا يقال: إنه محيط به، وعند هذا يظهر أنه لا تتحقق إحاطة الخطيئة بالعبد إلا إذا كان كافرا. إذا ثبت هذا فنقول قوله: * (فأولئك أصحاب النار) * يقتضي أن أصحاب النار ليسوا إلا هم وذلك يقتضي أن لا يكون صاحب الكبيرة من أهل النار، الثالث:
أن قوله تعالى: * (فأولئك أصحاب النار) * يقتضي كونهم في النار في الحال وذلك باطل، فوجب حمله على أنهم يستحقون النار. ونحن نقول بموجبه: لكن لا نزاع في أنه تعالى هل يعفو عن هذا الحق وهذا أول المسألة، ولنختم الكلام في هذه الآية بقاعدة فقهية: وهي أن الشرط ههنا أمران، أحدهما: اكتساب السيئة، والثاني: إحاطة تلك السيئة بالعبد والجزاء المعلق على وجود الشرطين لا يوجد عند حصل أحدهما. وهذا يدل على أن من عقد اليمين على شرطين في طلاق أو إعتاق أنه لا يحنث بوجود أحدهما والله أعلم.
* (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) * اعلم أنه سبحانه وتعالى ما ذكر في القرآن آية في الوعيد إلا وذكر بجنبها آية في الوعد، وذلك لفوائد: أحدها: ليظهر بذلك عدله سبحانه، لأنه لما حكم بالعذاب الدائم على المصرين على الكفر وجب أن يحكم بالنعيم الدائم على المصرين على الإيمان، وثانيها: أن المؤمن لا بد وأن يعتدل خوفه ورجاؤه على ما قال عليه الصلاة والسلام: " لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا "، وذلك الاعتدال لا يحصل إلا بهذا الطريق، وثالثها: أنه يظهر بوعده كمال رحمته وبوعيده كمال حكمته فيصير ذلك سببا للعرفان، وههنا مسائل:
المسألة الأولى: العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان لأنه تعالى قال: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) * فلو دل الإيمان على العمل الصالح لكان ذكر العمل الصالح بعد الإيمان تكرارا