ما رأيت شيئا، فقالا لي: أنت على رأس أمر فاتقي الله ولا تفعلي، فأبيت فقالا لي: اذهبي فافعلي، فذهبت ففعلت، فرأيت كأن فارسا مقنعا بالحديد قد خرج من فرجي فصعد إلى السماء فجئتهما فأخبرتهما فقالا: إيمانك قد خرج عنك وقد أحسنت السحر، فقلت: وما هو؟ قالا: ما تريدين شيئا فتصوريه في وهمك، إلا كان فصورت في نفسي حبا من حنطة، فإذا أنا بحب، فقلت: أنزرع فانزرع فخرج من ساعته سنبلا فقلت: انطحن فانطحن من ساعته، فقلت: انخبز فانخبز وأنا لا أريد شيئا أصوره في نفسي إلا حصل، فقالت عائشة: ليس لك توبة، وثالثها: ما يذكرونه من الحكايات الكثيرة في هذا الباب وهي مشهورة. أما المعتزلة فقد احتجوا على إنكاره بوجوه، أحدها: قوله تعالى: * (ولا يفلح الساحر حيث أتى) * (الفرقان: 8)، وثانيها: قوله تعالى في وصف محمد صلى الله عليه وسلم: * (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) * ولو صار عليه السلام مسحورا لما استحقوا الذم بسبب هذا القول، وثالثها: أنه لو جاز ذلك من السحر فكيف يتميز المعجز عن السحر ثم قالوا: هذه الدلائل يقينية والأخبار التي ذكرتموها من باب الآحاد فلا تصلح معارضة لهذه الدلائل.
المسألة الخامسة: في أن العلم بالسحر غير قبيح ولا محظور: اتفق المحققون على ذلك لأن العلم لذاته شريف وأيضا لعموم قوله تعالى: * (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * (الزمر: 9) ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجز، والعلم بكون المعجز معجزا واجب وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبا وما يكون واجبا كيف يكون حراما وقبيحا.
المسألة السادسة: في أن الساحر قد يكفر أم لا، اختلف الفقهاء في أن الساحر هل يكفر أم لا؟ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقهما بقول فقد كفر بما أنزل على محمد) * عليه السلام واعلم أنه لا نزاع بين الأمة في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبرة لهذا العالم وهي الخالقة لما فيه من الحوادث والخيرات والشرور، فإنه يكون كافرا على الاطلاق وهذا هو النوع الأول من السحر.
أما النوع الثاني: وهو أن يعتقد أنه قد يبلغ روح الإنسان في التصفية والقوة إلى حيث يقدر بها على إيجاد الأجسام والحياة والقدرة وتغيير البنية والشكل، فالأظهر إجماع الأمة أيضا على تكفيره.
أما النوع الثالث: وهو أن يعتقد الساحر أنه قد يبلغ في التصفية وقراءة الرقي وتدخين بعض الأدوية إلى حيث يخلق الله تعالى عقيب أفعاله على سبيل العادة الأجسام والحياة والعقل وتغيير البنية والشكل فههنا المعتزلة اتفقوا على تكفير من يجوز ذلك قالوا لأنه مع هذا الاعتقاد لا يمكنه أن يعرف صدق الأنبياء والرسل، وهذا ركيك من القول. فإن لقائل أن يقول إن الإنسان لو ادعى النبوة وكان كاذبا في دعواه فإنه لا يجوز من الله تعالى إظهار هذه الأشياء على يده لئلا يحصل التلبيس، أما إذا لم يدع النبوة وأظهر هذه الأشياء على يده لم يفض ذلك إلى التلبيس فإن المحق يتميز عن