تلك العطية فصار ذلك الإعطاء نماء في المعنى وإن كان نقصانا في الصورة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالصدقة فإن فيها ست خصال، ثلاثة في الدنيا وثلاثة في الآخرة، فأما التي في الدنيا فتزيد في الرزق وتكثر المال وتعمر الديار، وأما التي في الآخرة فتستر العورة وتصير ظلا فوق الرأس وتكون سترا في النار ". ويجوز أن تسمى الزكاة بالوجه الثاني من حيث إنها تطهر مخرج الزكاة عن كل الذنوب، ولهذا قال تعالى لنبيه: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (المسألة الثالثة) قوله تعالى ((أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) خطاب مع اليهود وذلك يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع. أما قوله تعالى (واركعوا مع الراكعين) ففيه وجوه أحدها: أن اليهود لا ركوع في صلاتهم فخص الله الركوع بالذكر تحريضا لهم على الاتيان بصلاة المسلمين، وثانيها: أن المراد صلوا مع المصلين، وعلى هذا يزول التكرار لأن في الأول أمر الامر بالخضوع لان الركوع والخضوع في اللغة سواء. فيكون نهيا عن الاستكبار المذموم وأمرا بالتذلل كما قال للمؤمنين (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزه على الكافرين) وكقوله تأديبا لرسوله عليه السلام (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) وكمدحه له بقوله (فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) وهكذا في قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فكأنه تعالى لما أمرهم بالصلاة والزكاة أمرهم بعد ذلك بالانقياد والخضوع وترك التمرد. وحكى الأصم عن بعضهم أنه إنما أمر الله تعالى بني إسرائيل بالزكاة لانهم كانوا لا يؤتون الزكاة وهو المراد بقوله تعالى (وأكلهم السحت) وبقوله (وأكلهم الربا وأكلهم أموال الناس بالباطل) فأظهر الله تعالى في هذا الموضع ما كان مكتوما ليحذروا أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) اعلم أن الهمزة في أتأمرون الناس بالبر للتقرير مع التقريع والتعجب من حالهم، وأما البر فهو اسم جامع الأعمال الخير، ومنه بر الوالدين وهو طاعتهما، ومنه عمل مبرور، أي قد رضيه الله تعالى وقد يكون بمعنى الصدق كما يقال بر في يمينه أي صدق ولم يحنث، ويقال صدقت وبررت، وقال تعالى (ولكن البر من اتقى) فأخبر أن البر جامع للتقوى، واعلم أنه سبحانه مآخذ آخر، وهو أن التغافل عن اعمال البر مع حث الناس عليها مستقبح في العقول، إذ