والأصل فيها وهو الصلاة التي هي أعظم العبادات البدنية والزكاة التي هي أعظم العبادات المالية وههنا مسائل:
المسألة الأولى: القائلون بأنه لا يجوز تأخير بيان المجمل عن وقت الخطاب قالوا إنما جاء الخطاب في قوله: * (وأقيموا الصلاة) * بعد أن كان النبي صلى الله عليه وسلم وصف لهم أركان الصلاة وشرائطها فكأنه تعالى قال: وأقيموا الصلاة التي عرفتموها والقائلون بجواز التأخير قالوا: يجوز أن يراد الأمر بالصلاة وإن كانوا لا يعرفون أن الصلاة ما هي ويكون المقصود أن يوطن السامع نفسه على الامتثال وإن كان لا يعلم أن المأمور به ما هو كما أنه لا نزاع في أن يحسن من السيد أن يقول لعبده: إني آمرك غدا بشيء فلا بد وأن تفعله ويكون غرضه منه بأن يعزم العبد في الحال على أدائه في الوقت الثاني.
المسألة الثانية؛ قالت المعتزلة: الصلاة من الأسماء الشرعية قالوا: لأنها أمر حدث في الشرع فاستحال أن يكون الاسم الموضوع قد كان حاصلا قبل الشرع، ثم اختلفوا في وجه التشبيه فقال بعضهم: أصلها في اللغة الدعاء قال الأعشى:
عليك مثل الذي صليت فاعتصمي * عينا فإن لجنب المرء مضطجعا وقال آخر: وقابلها الريح في دنها * وصلى على دنها وارتسم وقال بعضهم: الأصل فيها اللزوم قال الشاعر:
لم أكن من جناتها علم الله * وإني بحرها اليوم صالي أي ملازم، وقال آخرون: بل هي مأخوذة من المصلي وهو الفرس الذي يتبع غيره. والأقرب أنها مأخوذة من الدعاء إذ لا صلاة إلا ويقع فيها الدعاء أو ما يجري مجراه، وقد تكون صلاة ولا يحصل فيها متابعة الغير وإذا حصل في وجه التشبيه ما عم كل الصور كان أولى أن يجعل وجه التشبيه شيئا يختص ببعض الصور. وقال أصحابنا من المجازات المشهورة في اللغة إطلاق اسم الجزء على الكل ولما كانت الصلاة الشرعية مشتملة على الدعاء لا جرم أطلق اسم الدعاء عليها على سبيل المجاز، فإن كان مراد المعتزلة من كونها اسما شرعيا هذا. فذلك حق وإن كان المراد أن الشرع ارتجل هذه اللفظة ابتداء لهذا المسمى فهو باطل وإلا لما كانت هذه اللفظة عربية، وذلك ينافي قوله تعالى: * (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) * (يوسف: 20) أما الزكاة فهي في اللغة عبارة عن النماء، يقال: زكا الزرع إذا نما، وعن التطهير قال الله تعالى: * (أقتلت نفسا زكية) * (الكهف: 74) أي طاهرة. وقال: * (قد أفلح من تزكى) * (الأعلى: 14) أي تطهر وقال: * (ولولا فضل الله علكيم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا) * (النور: 21) وقال: * (ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه) * (فاطر: 18) أي تطهر بطاعة الله، ولعل إخراج نصف دينار من عشرين دينارا سمي بالزكاة تشبيها بهذين الوجهين، لأن في إخراج ذلك القدر تنمية للبقية من حيث البركة فإن الله يرفع البلاء عن ذلك المال بسبب تزكية