شيئا من العلم: راعنا يا رسول الله، واليهود كانت لهم كلمة عبرانية يتسابون بها تشبه هذه الكلمة وهي " راعينا " ومعناها: اسمع لا سمعت، فلما سمعوا المؤمنين يقولون: راعنا إفترضوه وخاطبوا به النبي وهم يعنون تلك المسبة، فنهى المؤمنون عنها وأمروا بلفظة أخرى وهي قوله: * (انظرنا) *، ويدل على صحة هذه التأويل قوله تعالى في سورة النساء: * (ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين) * (النساء: 46)، وروي أن سعد بن معاذ سمعها منهم فقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله لأضربن عنقه، فقالوا: أولستم تقولونها؟ فنزلت هذه الآية، وثانيها: قال قطرب: هذه الكلمة وإن كانت صحيحة المعنى إلا أن أهل الحجاز ما كانوا يقولونها إلا عند الهزؤ والسخرية، فلا جرم نهى الله عنها، وثالثها: أن اليهود كانوا يقولون: راعينا أي أنت راعي غنمنا فنهاهم الله عنها، ورابعها: أن قوله: " راعنا " مفاعلة من الرعي بين اثنين، فكان هذا اللفظ موهما للمساواة بين المخاطبين كأنهم قالوا: أرعنا سمعك لنرعيك أسماعنا، فنهاهم الله تعالى عنه وبين أن لا بد من تعظيم الرسول عليه السلام في المخاطبة على ما قال: * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * (النور: 63). وخامسها: أن قوله: " راعنا " خطاب مع الاستعلاء كأنه يقول: راع كلامي ولا تغفل عنه ولا تشتغل بغيره، وليس في " انظرنا " إلا سؤال الانتظار كأنهم قالوا له توقف في كلامك وبيانك مقدار ما نصل إلى فهمه، وسادسها: أن قوله: " راعنا " على وزن عاطنا من المعاطاة، ورامنا من المراماة، ثم إنهم قلبوا هذه النون إلى النون الأصلية وجعلوها كلمة مشتقة من الرعونة وهي الحق، فالراعن اسم فاعل من الرعونة، فيحتمل أنهم أرادوا به المصدر. كقولهم: عياذا بك، أي أعوذ عياذا بك، فقولهم: راعنا: أي فعلت رعونة. ويحتمل أنهم أرادوا به: صرت راعنا، أي صرت ذا رعونة، فلما قصدوا هذه الوجوه الفاسدة لا جرم نهى الله تعالى عن هذه الكلمة. وسابعها: أن يكون المراد لا تقولوا قولا: راعنا أي: قولا منسوبا إلى الرعونة بمعنى راعن: كتامر ولابن.
أما قوله تعالى: * (وقولوا انظرنا) * ففيه وجوه. أحدها: أنه من نظره أي أنظره، قال تعالى: * (انظرونا نقتبس من نوركم) * (الحديد: 13) فأمرهم تعالى بأن يسألوه الإمهال لينقلوا عنه، فلا يحتاجون إلى الاستعاذة. فإن قيل: أفكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجل عليهم حق يقولون هذا؟ فالجواب من وجهين: أحدهما: أن هذه اللفظة قد تقال في خلال الكلام وإن لم تكن هناك عجلة تحوج إلى ذلك كقول الرجل في خلال حديثه: اسمع أو سمعت. الثاني: أنهم فسروا قوله تعالى: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به) * أنه عليه السلام كان يعجل قول ما يلقيه إليه جبريل عليه السلام حرصا على تحصيل الوحي وأخذ القرآن، فقيل له: لا تحرك به لسانك لتعجل به فلا يبعد أن يعجل فيما يحدث به أصحابه من أمر الدين حرصا على تعجيل أفهامهم فكانوا يسألونه في هذه الحالة أن يمهلهم فيما يخاطبهم به إلى أن يفهموا كل ذلك الكلام، وثانيها: " انظرنا " معناه " انظر " إلينا إلا أنه حذف