الشفيع لابد أن يكون أعلى رتبة من المشفوع له، ونحن وإن كنا نطلب الخير له عليه الصلاة والسلام ولكن لما كنا أدنى رتبة منه عليه الصلاة والسلام لم يصح أن نوصف بكوننا شافعين له. الثاني: قال أبو الحسين: سؤال المنافع للغير إنما يكون شفاعة إذا كان فعل تلك المنافع لأجل سؤاله لولاه لم تفعل أو كان لسؤاله تأثير في فعلها، فأما إذا كانت تفعل سواء سألها أو لم يسألها، وكان غرض المسائل التقرب بذلك إلى المسؤول وإن لم يستحق المسؤول له بذلك السؤال منفعة زائدة فان ذلك لا يكون شفاعة له، ألا ترى أن السلطان إذا عزم على أن يعقد لابنه ولاية فحثه بعض أوليائه على ذلك وكا يفعل ذلك لا محالة سواء حثه عليه أو لم يحثه، وقصد بذلك التقرب إلى السلطان ليحصل له بذلك منزله عنده فإنه لا يقال إنه يشفع لابن السلطان.
وهذه حالتنا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نسأله له من الله تعالى فلم يصح أن نكون شافعين، والجواب على الأول، لا نسلم أن الرتبة معتبرة في الشفاعة، والدليل عليه أن الشفيع إنما سمى شفيعا مأخوذا من الشفع، وهذا المعنى لا تعتبر فيه الرتبة، فسقط قولهم، وبهذا الوجه يسقط السؤال الثاني، وأيضا فنقول في الجواب عن السؤال الثاني: إنا وإن كنا نقطع بأن الله تعالى يكرم رسوله ويعظمه سواء سالت الأمة ذلك أو لم تسأل، ولكنا لانقطع بأنه لا يجوز أن يزيد في إكرامه بسبب سؤال الأمة ذلك على وجه لولا سؤال الأمة لما حصلت تلك الزيادة وإذا كان هذا الاحتمال يجوز، وجب أن يبقى تجويز كوننا شافعين للرسول صلى الله عليه وسلم ولما بطل باتفاق الأمة بطل قولهم، وعاشرها: قوله تعالى في صفة الملائكة (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) وصاحب الكبيرة من جملة المؤمنين فوجب دخوله في جملة من تستغفر الملائكة لهم، أقصى ما في الباب أنه ورد بعد ذلك قوله (فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك) إلا أن هذا لا يقتضى تخصيص ذلك العام لما ثبت في أصول الفقه أن اللفظ العام إذا ذكر بعده بعض أقسامه فان ذلك لا يوجب تخصيص ذلك العام بذلك الخاص، الحادي عشر: الأخبار الدالة على حصول الشفاعة لأهل الكبائر، ولنذكر منها ثلاثة أوجه الأول: قوله عليه الصلاة والسلام شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي قالت المعتزلة: الاعتراض عليه من ثلاثة وجوه: أحدها: أنه خبر واحد ورد على مضادة القرآن فإنا بينا أن كثيرا من الآيات يدل على نفى هذه الشفاعة وخبر الواحد إذا غير جائز لان شفاعته منصب عظيم فتخصيصه بأهل الكبائر فقط يقتضى حرمان أهل الثواب عنه عنه وذلك غير جائز لأنه لا أقل من التسوية، وثالثها: أن هذه المسألة ليست من المسائل العملية فلا يجوز الاكتفاء فيها بالظن وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن فلا يجوز التمسك في هذه المسألة بهذا الخبر. ثم إن سلمنا صحة الخبر لكن فيه احتمالات أحدها: أن يكون المراد منه الاستفهام بمعنى