إلى العلم بوجود الصانع وصدق موسى عليه السلام، والجواب: حب الشيء يعمي ويصم فحبه الجاه والتلبيس حمله على اقتحام تلك المهلكة.
وأما قوله تعالى: * (وأنتم تنظرون) * ففيه وجوه. أحدها: أنكم ترون التطام أمواج البحر بفرعون وقومه. وثانيها: أن قوم موسى عليه السلام سألوه أن يريهم الله تعالى حالهم فسأل موسى عليه السلام ربه أن يريهم إياهم فلفظهم البحر ألف ألف ومائتي ألف نفس وفرعون معهم، فنظروا إليهم طافين وإن البحر لم يقبل واحدا منهم لشؤم كفرهم فهو قوله تعالى: * (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) * (يونس: 92) أي نخرجك من مضيق البحر إلى سعة الفضاء ليراك الناس، وتكون عبرة لهم. وثالثها: أن المراد وأنتم بالقرب منهم حيث توجهونهم وتقابلونهم وإن كانوا لا يرونهم بأبصارهم، قال الفراء وهو مثل قولك: لقد ضربتك وأهلك ينظرون إليك فما أغاثوك تقول ذلك إذا قرب أهله منه وإن كانوا لا يرونه ومعناه راجع إلى العلم.
* (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون * ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون) * اعلم أن هذا هو الإنعام الثالث. فأما قوله تعالى: * (وإذ واعدنا) * فقرأ أبو عمرو ويعقوب وإذ وعدنا موسى بغير ألف في هذه السورة وفي الأعراف وطه وقرأ الباقون واعدنا بالألف في المواضع الثلاثة، فأما بغير ألف فوجهه ظاهر لأن الوعد كان من الله تعالى، والمواعدة مفاعلة ولا بد من اثنين، وأما بالألف فله وجوه، أحدها: أن الوعد وإن كان من الله تعالى فقبوله كان من موسى عليه السلام وقبول الوعد يشبه الوعد، لأن القابل للوعد لا بد وأن يقول أفعل ذلك، وثانيها: قال القفال: لا يبعد أن يكون الآدمي يعد الله ويكون معناه يعاهد الله. وثالثها: أنه أمر جرى بين اثنين فجاز أن يقال واعدنا. ورابعها: وهو الأقوى أن الله تعالى وعده الوحي وهو وعد الله المجيء للميقات إلى الطور، أما موسى ففيه وجوه، أحدها: وزنه فعلي والميم فيه أصلية أخذت من ماس يميس إذا تبختر في مشيته وكان موسى عليه السلام كذلك. وثانيها: وزنه مفعل فالميم فيه زائدة وهو من أوسيت الشجرة إذا أخذت ما عليها من الورق وكأنه سمي بذلك لصلعه، وثالثها: أنها كلمة مركبة من كلمتين بالعبرانية فمو هو الماء بلسانهم، وسى هو الشجر، وإنما سمي بذلك لأن أمه جعلته في التابوت حين خافت عليه من فرعون فألقته في البحر فدفعته أمواج البحر حتى أدخلته بين أشجار عند بيت فرعون، فخرجت جواري آسية