وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. وخامسها: قالت عائشة لما أراد الله تعالى أن يتوب على آدم طاف بالبيت سبعا، والبيت يومئذ ربوة حمراء، فلما صلى ركعتين استقبل البيت وقال: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم حاجتي فاعطني سؤلي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي. اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي وأرضى بما قسمت لي. فأوحى الله تعالى إلى آدم: يا آدم قد غفرت لك ذنبك ولن يأتيني أحد من ذريتك فيدعوني بهذا الدعاء الذي دعوتني به إلا غفرت ذنبه وكشفت همومه وغمومه ونزعت الفقر من بين عينيه وجاءته الدنيا وهو لا يريدها.
المسألة الرابعة: قال الغزالي رحمه الله: التوبة تتحقق من ثلاثة أمور مترتبة، علم وحال وعمل، فالعلم أول والحال ثان والعمل ثالث، والأول موجب للثاني، والثاني موجب للثالث إيجابا اقتضته سنة الله في الملك والملكوت، أما العلم فهو معرفة ما في الذنب من الضرر وكونه حجابا بين العبد ورحمة الرب، فإذا عرف ذلك معرفة محققة حصل من هذه المعرفة تألم القلب بسبب فوات المحبوب، فإن القلب مهما شعر بفوات المحبوب تألم، فإذا كان فواته يفعل من جهته تأسف بسبب فوات المحبوب على الفعل الذي كان سببا لذلك الفوات فسمي ذلك التأسف ندما، ثم إن ذلك الألم إذا تأكد حصلت منه إرادة جازمة ولها تعلق بالحال وبالمستقبل وبالماضي، أما تعلقها بالحال فبترك الذنب الذي كان ملابسا له وأما بالمستقبل فالعزم على ترك ذلك الفعل المفوت للمحبوب إلى آخر العمر. وأما بالماضي فبتلا في ما فات بالجبر والقضاء إن كان قابلا للجبر، فالعلم هو الأول وهو مطلع هذه الخيرات وأعني به اليقين التام بأن هذه الذنوب سموم مهلكة، فهذا اليقين نور وهذا النور يوجب نار الندم فيتألم به القلب حيث أبصر بإشراق نور الإيمان أنه صار محجوبا عن محبوبه كمن يشرق عليه نور الشمس وقد كان في ظلمة فيطلع النور عليه بانقشاع السحاب، فرأى محبوبه قد أشرف على الهلاك فتشتعل نيران الحب في قلبه فتنبعث من تلك النيران إرادته للانتهاض للتدارك، فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي ثلاثة معان مترتبة في الحصول (على التوبة). ويطلق اسم التوبة على مجموعها وكثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده ويجعل العلم السابق كالمقدمة والترك كالثمرة والتابع المتأخر. وبهذا الاعتبار قال عليه السلام: " الندم توبة "، إذ لا ينفك الندم عن علم أوجبه وعن عزم يتبعه فيكون الندم محفوفا بطرفيه، أعني مثمرة وثمرته، فهذا هو الذي لخصه الشيخ الغزالي في حقيقة التوبة وهو كلام حسن. وقال القفال: لا بد في التوبة من ترك ذلك الذنب ومن الندم على ما سبق ومن العزم على أن لا يعود إلى مثله ومن الاشفاق فيما بين ذلك كله، أما أنه لا بد من الترك فلأنه لو لم يترك لكان فاعلا له فلا يكون تائبا، وأما الندم فلأنه لو لم يندم لكان راضيا بكونه فاعلا له والراضي بالشيء قد يفعله والفاعل للشيء لا يكون تائبا عنه، وأما العزم على أن لا يعود إلى مثله فلأن فعله معصية والعزم على المعصية