أن الله تعالى قد أضاف هذا الإزلال إلى إبليس فلم عاتبهما على ذلك الفعل؟ قلنا معنى قوله: * (فأزلهما) * أنهما عند وسوسته أتيا بذلك الفعل فأضيف ذلك إلى إبليس كما في قوله تعالى: * (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) * (نوح: 6). فقال تعالى حاكيا عن إبليس: * (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي) * (إبراهيم: 22)، هذا ما قاله المعتزلة. والتحقيق في هذه الإضافة ما قررناه مرارا أن الإنسان قادر على الفعل والترك ومع التساوي يستحيل أن يصير مصدرا لأحد هذين الأمرين إلا عند انضمام الداعي إليه، والداعي عبارة في حق العبد عن علم أو ظن أو اعتقاد بكون الفعل مشتملا على مصلحة، فإذا حصل ذلك العلم أو الظن بسبب منبه نبه عليه كان الفعل مضافا إلى ذلك لما لأجله صار الفاعل بالقوة فاعلا بالفعل، فلهذا المعنى انضاف الفعل ههنا إلى الوسوسة، وما أحسن ما قال بعض العارفين إن زلة آدم عليه السلام هب أنها كانت بسبب وسوسة إبليس، فمعصية إبليس حصلت بوسوسة من! وهذا ينبهك على أنه ما لم يحصل الداعي لا يحصل الفعل وأن الدواعي وإن ترتب بعضها على بعض، فلا بد من انتهائها إلى ما يخلقه الله تعالى ابتداء، وهو الذي صرح به موسى عليه السلام في قوله: * (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) * (الأعراف: 155). السؤال الثاني: كيف كانت تلك الوسوسة، الجواب: أنها هي التي حكى الله تعالى عنها في قوله: * (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) * (الأعراف: 20)، فلم يقبلا ذلك منه، فلما أيس من ذلك عدل إلى اليمين على ما قال: * (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) * (الأعراف: 21)، فلم يصدقاه أيضا، والظاهر أنه بعد ذلك عدل إلى شيء آخر وهو أنه شغلهما باستيفاء اللذات المباحة حتى صارا مستغرقين فيه فحصل بسبب استغراقهما فيه نسيان النهي فعند ذلك حصل ما حصل، والله أعلم بحقائق الأمور كيف كانت.
أما قوله تعالى: * (وقلنا اهبطوا) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: من قال إن جنة آدم كانت في السماء فسر الهبوط بالنزول من العلو إلى السفل، ومن قال إنها كانت في الأرض فسره بالتحول من موضع إلى غيره، كقوله: * (اهبطوا مصرا) * (البقرة: 61).
المسألة الثانية: اختلفوا في المخاطبين بهذا الخطاب بعد الاتفاق على أن آدم وحواء عليهما السلام كانا مخاطبين به وذكروا فيه وجوها: الأول: وهو قول الأكثرين: أن إبليس داخل فيه أيضا قالوا لأن إبليس قد جرى ذكره في قوله: * (فأزلهما الشيطان عنها) * أي فأزلهما وقلنا لهم اهبطوا.
وأما قوله تعالى: * (بعضكم لبعض عدو) * فهذا تعريف لآدم وحواء عليهما السلام أن إبليس عدو لهما ولذريتهما كما عرفهما ذلك قبل الأكل من الشجرة فقال: * (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) * (طه: 117)، فإن قيل: إن إبليس لما أبى من السجود صار كافرا