للثواب، أم تكون لأهل الكبائر المستحقين للعقاب؟ فذهبت المعتزلة على أنها للمستحقين للثواب، وتأثير الشفاعة في أن تحصل زيادة من المنافع على قدر ما استحقوه، وقال أصحابنا تأثيرها في إسقاط العذاب عن المستحقين للعقاب، إما بأن يشفع لهم في عرضة القيامة حتى لا يدخلوا النار وإن دخلوا النار فيشفع لهم حتى يخرجوا منها ويدخلوا الجنة واتفقوا على أنها ليست للكفار، واستدلت المعتزلة على إنكار الشفاعة لأهل الكبائر بوجوه أحدها: هذه الآية قالوا إنها تدل على نفى الشفاعة من ثلاثة أوجه، الأول: قوله تعالى (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) ولو أثرت الشفاعة في إسقاط العقاب لكان قد أجزت نفس عن نفس شيئا، الثاني، قوله تعالى (ولا يقبل منها شفاعة) وهذه نكرة في سياق النفي فنعم جميع أنواع الشفاعة، والثالث: قوله تعالى (ولا هم ينصرون) ولو كان محمد شفيعا لأحد من العصاة لكان ناصرا له وذلك على خلاف الآية. لا يقال الكلام على الآية من وجهين، الأول: أن اليهود كانوا يزعمون أن آباءهم يشفعون لهم فأيسوا من ذلك فالآية نزلت فيهم الثاني. أن ظاهر الآية يقتضى نفى الشفاعة مطلقا إلا أنا أجمعنا على تطرق التخصيص إليه في حق زيادة الثواب لأهل الطاعة، فنحن أيضا نخصه في حق المسلم صاحب الكبيرة بالدلائل الت نذكرها، لأنا نجيب عن الأول بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وعن الثاني أنه لا يجوز أن يكون المراد من الآية نفى الشفاعة في زيادة المنافع لأنه تعالى حذر من ذلك اليوم بأنه لا تنفع فيه شفاعة، وليس يحصل التحذير إذا رجع نفى الشفاعة إلى تحصيل زيادة النفع لان عدم حصول زيادة النفع ليس فيه خطر ولا ضرر يبين ذلك أنه تعالى لو قال: اتقوا يما لا أزيد فيه منافع المستحق للثواب بشفاعة أحد لم يحصل بذلك زجر عن المعاصي، ولو قال: اتقوا يوما لا أسقط فيه عقاب المستحق للعقاب بشفاعة شفيع كان ذلك زجرا عن المعاصي، فثبت أن المقصود من الآية نفى تأثير الشفاعة في إسقاط العقاب لا نفى تأثيرها في زيادة المنافع، وثانيها: قوله تعالى (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) والظالم هو الآتي بالظلم وذلك يتناول الكافر وغيره لا يقال إنه تعالى نفي أن يكون للظالمين شفيع يطاع ولم ينف شفيعا يجاب. ونحن نقول بموجبه فإنه لا يكون في الآخرة شفيع يطاع، لان المطاع يكون فوق المطيع، وليس فوقه تعالى أحد يطيعه الله تعالى، لأنا نقول لا يجوز حمل الآية على ما قلتم من وجهين، الأول: أن العلم بأنه ليس فوقه تعالى أحد يطيعه، متفق عليه بين العقلاء. أما من أثبته سبحانه فقد اعترف أنه لا يطيع أحدا، وأما من نفاه فمع القول بالنفي استحال أن يعتقد فيه كونه مطيعا لغيره، فإذا ثبت هذا كان حمل الآية على ما ذكرتم حملا لها على معنى لا يفيد. الثاني: أنه تعالى نفى شفيعا يطاع، والشفيع لا يكون إلا دون المشفوع إليه لان من فوقه يكون آمرا له وحاكما عليه ومثله لا يسمى شفيعا فأقاد قوله شفيع كونه دون الله تعالى فلم يمكن حمل قوله (يطاع) على من فوقه فوجب حمله
(٥٦)