فيه أن الدرء هو الدفع. فالمتخاصمون إذا تخاصموا فقد دفع كل واحد منهم عن نفسه تلك التهمة، ودفع كل واحد منهم حجة صاحبه عن تلك الفعلة، ودفع كل واحد منهم حجة صاحبه في إسناد تلك التهمة إلى غيره وحجة صاحبه في براءته عنه، قال القفال: والكناية في (فيها) للنفس، أي فاختلفتم في النفس ويحتمل في القتلة لأن قوله: * (قتلتم) * يدل على المصدر.
أما قوله تعالى: * (والله مخرج ما كنتم تكتمون) * أي مظهر لا محالة ما كتمتم من أمر القتل. فإن قيل: كيف اعمل " مخرج " وهو في معنى المضي؟ قلنا: قد حكى ما كان مستقبلا في وقت التدارء كما حكى الحاضر في قوله: * (باسط ذراعيه) * (الكهف: 18) وهذه الجملة اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه وهما " ادارأتم، فقلنا " ثم فيه مسائل:
المسألة الأولى: قالت المعتزلة قوله: * (والله مخرج ما كنتم تكتمون) * أي لا بد وأن يفعل ذلك وإنما حكم بأنه لا بد وأن يفعل ذلك، لأن الاختلاف والتنازع في باب القتل يكون سببا للفتن والفساد والله لا يحب الفساد فلأجل هذا قال: لا بد وأن يزيل هذا الكتمان ليزول ذلك الفساد، فدل ذلك على أنه سبحانه لا يريد الفساد ولا يرضى به ولا يخلقه.
المسألة الثانية: الآية تدل على أنه تعالى عالم بجميع المعلومات وإلا لما قدر على إظهار ما كتموه.
المسألة الثالثة: تدل الآية على أن ما يسره العبد من خير أو شر ودام ذلك منه فإن الله سيظهره. قال عليه الصلاة والسلام: " إن عبدا لو أطاع الله من وراء سبعين حجابا لأظهر الله ذلك على ألسنة الناس " وكذلك المعصية. وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: " قل لبني إسرائيل يخفون إلى أعمالهم وعلي أن أظهرها لهم ".
المسألة الرابعة: دلت الآية على أنه يجوز ورود العام لإرادة الخاص لأن قوله: * (ما كنتم تكتمون) * يتناول كل المكتومات ثم إن الله تعالى أراد هذه الواقعة.
أما قوله تعالى: * (فقلنا اضربوه ببعضها) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: المروي عن ابن عباس أن صاحب بقرة بني إسرائيل طلبها أربعين سنة حتى وجدها، ثم ذبحت إلا أن هذه الرواية على خلاف ظاهر القرآن لأن الفاء في قوله تعالى: * (فقلنا اضربوه ببعضها) * للتعقيب، وذلك يدل على أن قوله: * (اضربوه ببعضها) * حصل عقيب قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) *.
المسألة الثانية: الهاء في قوله تعالى: * (اضربوه) * ضمير وهو إما أن يرجع إلى النفس وحينئذ يكون التذكير على تأويل الشخص والإنسان وإما إلى القتيل وهو الذي دل عليه قوله: * (ما كنتم تكتمون) *.
المسألة الثالثة: يجوز أن يكون الله تعالى إنما أمر بذبح البقرة، لأنه تعلق بذبحها مصلحة