* (فتلقى ءادم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) * المسألة الأولى: قال القفال: أصل التلقي هو التعرض للقاء ثم يوضع في موضع الاستقبال للشيء الجائي ثم يوضع موضع القبول والأخذ. قال الله تعالى: * (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) * (النمل: 6)، أي تلقنه. ويقال: تلقينا الحجاج أي استقبلناهم. ويقال: تلقيت هذه الكلمة من فلان أي أخذتها منه. وإذا كان هذا أصل الكلمة وكان من تلقى رجلا فتلاقيا لقي كل واحد صاحبه فأضيف الاجتماع إليهما معا صلح أن يشتركا في الوصف بذلك، فيقال: كل ما تلقيته فقد تلقاك فجاز أن يقال: تلقى آدم كلمات أي أخذها ووعاها واستقبلها بالقبول، وجاز أن يقال: تلقى كلمات بالرفع على معنى جاءته عن الله كلمات ومثله قوله: * (لا ينال عهدي الظالمين) * (البقرة: 124) وفي قراءة ابن مسعود (الظالمون).
المسألة الثانية: أعلن أنه لا يجوز أن يكون المراد أن الله تعالى عرفه حقيقة التوبة لأن المكلف لا بد وأن يعرف ماهية التوبة ويتمكن بفعلها من تدارك الذنوب ويميزها عن غيرها فضلا عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بل يجب حمله على أحد الأمور. أحدها: التنبيه على المعصية الواقعة منه على وجه صار آدم عليه السلام عند ذلك من التائبين المنيبين. وثانيها: أنه تعالى عرفه وجوب التوبة وكونها مقبولة لا محالة على معنى أن من أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا ثم ندم على ما صنع وعزم على أن لا يعود فإني أتوب عليه. قال الله تعالى: * (فتلقى آدم من ربه كلمات) *، أي أخذها وقبلها وعمل بها. وثالثها: أنه تعالى ذكره بنعمه العظيمة عليه فصار ذلك من الدواعي القوية إلى التوبة. ورابعها: أنه تعالى علمه كلاما لو حصلت التوبة معه لكان ذلك سببا لكمال حال التوبة.
المسألة الثالثة: اختلفوا في أن تلك الكلمات ما هي؟ فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن آدم عليه السلام قال: يا رب ألم تخلقني بيدك بلا واسطة؟ قال: بلى. قال: يا رب ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى. قال: ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى. قال: يا رب ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى. قال: يا رب إن تبت وأصلحت تردني إلى الجنة؟ قال: بلى فهو قوله: * (فتلقى آدم من ربه كلمات) * وزاد السدي فيه: يا رب هل كنت كتبت علي ذنبا؟ قال: نعم. وثانيها: قال النخعي: أتيت ابن عباس فقلت: ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه. قال: علم الله آدم وحواء أمر الحج فحجا وهي الكلمات التي تقال في الحج، فلما فرغا من الحج أوحى الله تعالى إليهما بأني قبلت توبتكما. وثالثها: قال مجاهد وقتادة في إحدى الروايتين عنهما هي قوله: * (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) * (الأعراف: 23). ورابعها: قال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم: إنها قوله لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت خير الراحمين. لا إله إلا أنت سبحانك